للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيت آلهتهم ورأوا أصنامهم قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قالُوا يعني الذين سمعوا إبراهيم يقول: تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ ... سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يعيبهم ويسبّهم ويستهزئ بهم يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ هو الذي صنع هذا، فبلغ ذلك نمرود الجبّار وأشراف قومه فقالوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ يراد بأعين الناس «١» لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ عليه أنّه هو الذي فعل ذلك، وكرهوا أن يأخذوه بغير بيّنة، قاله قتادة والسدّي.

وقال الضحّاك والسدّي: لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ما يصنع به ويعاقبه، أي، يحضرون، فلمّا أتوا به قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ. قالَ إبراهيم بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا غضب من أن تعبدوا معه هذه الصغار وهو أكبر منها فكسرهنّ، قاله ابن إسحاق، وإنّما أراد إبراهيم بذلك إقامة الحجّة عليهم، فذلك قوله سبحانه فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ حتى يخبروكم بمن فعل هذا بهم.

وروي عن الكسائي أنّه كان يقف عند قوله: بَلْ فَعَلَهُ ويقول: معناه فعله من فعله، ثم يبتدي كَبِيرُهُمْ هذا.

وقال القتيبي: جعل إبراهيم النطق شرطا للفعل فقال فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ والمعنى إن قدروا على الفعل، فأراهم عجزهم عن النطق والفعل، وفي ضمنه أنا فعلت ذلك، والذي تظاهرت به الأخبار في هذه الآية، قول ابن إسحاق يدلّ عليه

قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: لم يكذب إلّا ثلاث كذبات كلّها في الله عزّ وجلّ قوله إِنِّي سَقِيمٌ «٢» وقوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ وقوله لسارة: هي أختي

، وغير مستحيل أن يكون الله سبحانه أذن لرسوله وخليله في ذلك ليقرع قومه ويوبّخهم ويحتجّ عليهم ويعرّفهم موضع خطئهم كما أذن ليوسف حين أمر مناديه فقال لأخوته: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ «٣» ولم يكونوا سرقوا شيئا.

فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ يقول: فتفكّروا بقلوبهم ورجعوا إلى عقولهم فَقالُوا ما نراه إلّا كما قال إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ هذا الرجل في سؤالكم إيّاه، وهذه آلهتكم التي فعل بها ما فعل حاضرة فسلوها، وقيل: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ بعبادتكم الأوثان الصغار مع هذا الكبير.

ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ متحيّرين مثبورين وعلموا أنّها لا تنطق ولا تبطش، فقالوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ فلمّا اتّجهت الحجّة لإبراهيم عليهم قالَ لهم


(١) في نسخة أصفهان: قيل: معناه على رؤس الناس، وقيل معناه بمرأى منهم، وإنما أرادوا بذلك أظهر والذي فعل للناس، كما تقول العرب إذا ظهر الأمر وسهر: كان ذلك على أعين الناس.
(٢) الصافّات: ٨٩.
(٣) يوسف: ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>