وفسادها، وضلالتهم وجهالتهم وحيرتهم فيها كظلمات فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ وهو العميق الكثير الماء وذلك أشدّ ظلمة، ولجّة البحر: معظمه يَغْشاهُ يعلوه مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ متراكم مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ قرأ ابن كثير برواية النبّال والفلنجي سَحابٌ بالرفع والتنوين، ظُلُماتٍ بالجرّ على البدل من قوله أَوْ كَظُلُماتٍ. روى البّزي عنه، سحابُ ظلماتٍ بالإضافة وقرأ الآخرون: سَحابٌ ظُلُماتٌ كلاهما بالرفع والتنوين، وتمام الكلام عند قوله سَحابٌ.
ثمّ ابتدأ فقال ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ ظلمة السحاب وظلمة الموج وظلمة البحر.
قال المفسّرون: أراد بالظلمات أعمال الكافر، وبالبحر اللجّي قلبه، وبالموج ما يغشى قلبه من الجهل والشك والحيرة، وبالسحاب الرّين والختم والطبع على قلبه.
قال أبي بن كعب في هذه الآية: الكافر ينقلب في خمس من الظلم: فكلامه ظلمة، وعمله ظلمة ومدخله، ظلمة ومخرجه ظلمة، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة إلى النار.
إِذا أَخْرَجَ يعني الناظر يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها أي لم يقرب من أن يراها من شدة الظلمات.
وقال الفرّاء: كاد صلة أي لم يرها كما تقول: ما كدت أعرفه، وقال المبرّد: يعني لم يرها إلّا بعد الجهد كما يقول القائل: ما كدت أراك من الظلمة وقد رآه ولكن بعد يأس وشدّة، وقيل:
معناه قرب من الرؤية ولم ير، كما يقال: كاد العروس يكون أميرا، وكاد النعام يطير.
وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ يعني من لم يهده الله فلا إيمان له.
قال مقاتل: نزلت في عتبة بن ربيعة بن أميّة، كان يلتمس الدين في الجاهلية ولبس المسوح ثم كفر في الإسلام.
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد بن محمد بن إبراهيم العدل قال: حدّثنا أبو الحسين محمد بن منصور الواعظ قال: حدّثنا أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد قال: حدّثنا محمد ابن يونس الكديمي قال: حدّثنا عبيد الله بن عائشة قال: حدّثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أنّ الله تعالى خلقني من نوره، وخلق أبا بكر من نوري، وخلق عمر وعائشة من نور أبي بكر!، وخلق المؤمنين من أمّتي من الرجال من نور عمر، وخلق المؤمنات من أمّتي من النساء من نور عائشة، فمن لم يحبّني ويحبّ أبا بكر وعمر وعائشة فما له من نور!، فنزلت عليه وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ» «١» [٦٧] .
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ أجنحتهنّ في الهواء
(١) تفسير القرطبي: ١٢/ ٢٨٦.