للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ المثبّطين مِنْكُمْ الناس عن رسول الله صلّى الله عليه وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ تعالوا إِلَيْنا ودعوا محمّدا فلا تشهدوا معه الحرب فإنّا نخاف عليكم الهلاك.

وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا دفعا وتغديرا. قال قتادة: هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يقولون لإخوانهم: ما محمّد وأصحابه إلّا أكلة رأس ولو كانوا لحما لالتهمهم أبو سفيان وأصحابه، دعوا هذا الرجل فإنّه هالك.

قال مقاتل: نزلت في المنافقين، وذلك أنّ اليهود أرسلوا إلى المنافقين، فقالوا: ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان ومن معه فإنّهم إن قدروا عليكم هذه المرّة لم يستبقوا منكم أحدا، وإنّا نشفق عليكم، أنتم إخواننا وجيراننا هلمّ إلينا، فأقبل عبد الله بن أبيّ وأصحابه على المؤمنين يعوّقونهم ويخوّفونهم بأبي سفيان ومن معه وقالوا: لئن قدروا عليكم هذه المرّة لم يستبقوا منكم أحدا، ما ترجون من محمّد؟ فو الله ما يريدنا بخير وما عنده خير، ما هو إلّا أن يقتلنا هاهنا، انطلقوا بنا إلى إخواننا وأصحابنا، يعني اليهود، فلم يزدد المؤمنون بقول المنافقين إلّا إيمانا واحتسابا.

وقال ابن زيد: هذا يوم الأحزاب، انطلق رجل من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم فوجد أخاه، وبين يديه شواء ورغيف ونبيذ، فقال له: أنت هاهنا في الشواء والنبيذ والرغيف ورسول الله صلّى الله عليه وسلم بين الرماح والسيوف، فقال له [أخوه] : هلمّ إلى هذا فقد [تبع] بك وبصاحبك، والذي تحلف به لا يستقيلها محمّد أبدا، فقال: كذبت والذي تحلف به، وكان أخوه من أبيه وأمّه، أما والله لأخبرنّ النبي صلّى الله عليه أمرك، فذهب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليخبره فوجده قد نزل جبرائيل (عليه السلام) بهذه الآية «١» .

قوله: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ أي بخلاء بالخير والنفقة في سبيل الله وعند قسم الغنيمة، وهي نصب على الحال والقطع من قوله: وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا وصفهم الله بالجبن والبخل.

فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ في رؤوسهم من الخوف والجبن كَالَّذِي أي كدوران عين الذي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ عصوكم ورموكم بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ ذربة جمع حديد، ويقال للخطيب الفصيح اللسان الذرب اللسان، مسلق ومصلق وسلاق وصلاق وأصل السلق الضرب.

وقال قتادة: يعني بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسم الغنيمة، يقولون: أعطونا أعطونا فإنّا قد شهدنا معكم القتال فلستم بأحقّ بالغنيمة منّا، فأمّا عند الغنيمة فأشحّ قوم وأسوأ مقاسمة، وأمّا


(١) تفسير القرطبي: ١٤/ ١٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>