عند البأس فأجبن قوم وأخذلهم للحقّ.
أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ يعني الغنيمة أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً.
قوله: يَحْسَبُونَ يعني هؤلاء المنافقين الْأَحْزابَ يعني قريشا وغطفان واليهود الذين تحزبوا على عداوة رسول الله صلّى الله عليه ومخالفته أي اجتمعوا، والأحزاب الجماعات واحدهم حزب. لَمْ يَذْهَبُوا ولم ينصرفوا عن قتالهم وقد انصرفوا منهم جماعة وفرقا. وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ إن يرجعوا إليكم كرّة ثانية.
يَوَدُّوا من الخوف والجبن لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ خارجون إلى البادية فِي الْأَعْرابِ أي معهم يَسْئَلُونَ قراءة العامّة بالتخفيف، وقرأ عاصم الجحدري ويعقوب في رواية رويس وزيد مشدّدة ممدودة بمعنى يتساءلون أي يسأل بعضهم بعضا.
عَنْ أَنْبائِكُمْ أخباركم وما آل إليه أمركم وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ يعني هؤلاء المنافقين ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا رياء من غير حسبة، ولو كان ذلك القليل لله لكان كثيرا.
قوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ محمّد صلّى الله عليه أُسْوَةٌ قدوة حَسَنَةٌ قرأ عاصم هاهنا وفي سورة الامتحان (أُسْوَةٌ) بضمّ الألف وقرأهما الآخرون بالكسر وهما لغتان مثل عدوة وعدوة ورشوة ورشوة وكسوة وكسوة. وكان يحيى بن ثابت يكسرها هنا ويضمّ الأخرى.
قال أبو عبيد: ولا نعرف بين ما فرّق يحيى فرقا.
قال المفسّرون: يعني لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ سنّة صالحة أن تنصروه وتؤازروه ولا تتخلّفوا عنه ولا ترغبوا بأنفسكم عن نفسه وعن مكان هواه، كما فعل هو إذ كسرت رباعيته، وجرح فوق حاجبة وقتل عمّه حمزة، وأوذي بضروب الأذى فواساكم مع ذلك بنفسه، فافعلوا أنتم أيضا كذلك واستنّوا بسنّته.
لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً في الرخاء والبلاء. ثمّ ذكر المؤمنين وتصديقهم بوعود الله تعالى فقال: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا تسليما لأمر الله وتصديقا لوعده هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
ووعد الله تعالى إيّاهم قوله: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ إلى قوله: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ «١» .
وَما زادَهُمْ ذلك إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً.
(١) سورة البقرة: ٢١٤.