للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فوفوا به فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ يعني فرغ من نذره ووفى بعهده فصبر على الجهاد حتى استشهد، والنحب النذر، والنحب أيضا الموت. قال ذو الرمّة:

عشية فر الحارثيون بعد ما ... قضى نحبه من ملتقى القوم هوبر «١» «٢»

أي مات. قال مقاتل: قَضى نَحْبَهُ يعني أجله، فقتل على الوفاء، يعني حمزة وأصحابه.

وقيل: قَضى نَحْبَهُ أي [أجهده] في الوفاء بعهده من قول العرب: نحب فلان في سيره يومه وليلته أجمع [إذا مد] «٣» فلم ينزل. قال جرير:

[بطخفة] جالدنا الملوك وخيلنا ... عشية بسطام جرين على نحب «٤»

وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ الشهادة وَما بَدَّلُوا قولهم وعهدهم ونذرهم تَبْدِيلًا.

أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدّثنا عبد الله بن هاشم قال:

حدّثنا نهر بن أسد عن سليمان بن المغيرة عن أنس قال: وأخبرنا أحمد بن عبد الله المرني، عن محمد بن عبد الله بن سليمان، عن محمد بن العلاء عن عبد الله بن بكر السهمي، عن حميد عن أنس قال: غاب عمّي أنس بن النضر- وبه سميت أنس- عن قتال بدر فشقّ عليه لما قدم وقال:

غبت عن أوّل مشهد شهده رسول الله صلّى الله عليه، والله لئن أشهدني الله عزّ وجلّ قتالا ليرينّ الله ما أصنع.

قال: فلمّا كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال: اللهم إنّي أبرأ إليك ممّا جاء به هؤلاء المشركون، وأعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني المسلمين، ثمّ مشى بسيفه فلقيه سعد بن معاذ، فقال: أي سعد والذي نفسي بيده إنّي لأجد ريح الجنّة دون أحد.

قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع أنس، فوجدناه بين القتلى به بضع وثمانون جراحة من بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم، وقد مثّلوا به، وما عرفناه حتى عرفته أخته بثناياه، ونزلت هذه الآية مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا.

قال: فكنا نقول: نزلت فيه هذه الآية وفي أصحابه.

وأخبرنا عبد الله بن حامد عن أحمد ابن محمد بن شاذان عن جيغويه بن محمد الترمذي، عن صالح بن محمد، عن سليمان بن


(١) هوبر: اسم رجل، والنحب: الخطر.
(٢) لسان العرب: ٥/ ٢٤٨، تاج العروس: ٣/ ٦٠٩
(٣) هكذا في الأصل.
(٤) طخفة: اسم موضع، والمجالدة: المضاربة.

<<  <  ج: ص:  >  >>