للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان أوّل فيء وقع فيه السهمان، وأخرج منه الخمس فعلى سنتها وما مضى من رسول الله فيها وقعت المقاسم ومضت السنّة في المغازي، ثمّ بعث رسول الله صلّى الله عليه سعد بن زيد الأنصاري أخا بني عبد الأشهل بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد فابتاع له بهم خيلا وسلاحا.

وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن حنافة إحدى نساء بني عمرو بن قريظة فكانت عند رسول الله صلّى الله عليه حتى توفّي عنها وهي في ملكه، وقد كان رسول الله صلّى الله عليه يحرص أن يتزوّجها ويضرب عليها الحجاب، فقالت: يا رسول الله بل تتركني في ملك فهو أخفّ عليّ وعليك فتركها، وقد كانت حين سباها كرهت الإسلام وأبت إلّا اليهودية، فعزلها رسول الله صلّى الله عليه ووجد في نفسه بذلك من أمرها، فبينا هو مع أصحابه إذ سمع وقع نعلين خلفه، فقال: إنّ هذا لثعلبة بن شعبة يبشّرني بإسلام ريحانة، فجاءه فقال: يا رسول الله قد أسلمت ريحانة فسّره ذلك.

فلمّا انقضى شأن بني قريظة الفجر خرج سعد بن معاذ، وذلك أنّه دعا بعد أن حكم في بني قريظة ما حكم فقال: اللهمّ إنّك قد علمت أنّه لم يكن قوم أحبّ إليّ من أن أجاهدهم من قوم كذّبوا رسولك، اللهمّ إن كنت أبقيت من حرب قريش على رسولك شيئا فأبقني لها، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك فانفجر كلمه فرجعه رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى خيمته التي ضرب عليه في المسجد.

قالت عائشة: فحضره رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، فو الذي نفس محمّد بيده إنّي لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وإنّي لفي حجرتي، قالت: وكانوا كما قال الله عزّ وجلّ: رُحَماءُ بَيْنَهُمْ «١» .

قال علقمة: [أي أمّه] «٢» كيف كان يصنع رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ قالت: كانت عينه لا تدمع على أحد، ولكنّه كان إذا اشتدّ وجده فإنّما هو آخذ بلحيته، قال محمّد بن إسحاق: لم يقتل من المسلمين يوم الخندق إلّا ستّة نفر، وقتل من المشركين ثلاثة نفر، وقتل يوم قريظة من المسلمين خلّاد بن سويد بن ثعلبة طرحت عليه رحى فشدخته فقط «٣» .

ولمّا انصرف رسول الله صلّى الله عليه من الخندق وقريظة قال: الآن نغزوهم- يعني قريشا- ولا يغزوننا، فكان كذلك حتّى فتح الله على رسوله مكّة

، وكان فتح بني قريظة في آخر ذي القعدة سنة خمس للهجرة فذلك قوله الله عزّ وجلّ: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ


(١) سورة الفتح: ٢٩.
(٢) يريد: عائشة.
(٣) انظر: تاريخ الطبري: ٢/ ٢٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>