للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التراب على رأسها، فلمّا رآها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: أغربوا عنّي هذه الشيطانة» . وأمر بصفية، فجرت خلفه وألقى عليها رداءه، فعلم المسلمون أنّ رسول الله قد اصطفاها لنفسه.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لبلال لمّا رأى من تلك اليهودية ما رأى: «أنزعت منك الرحمة يا بلال حيث تمرّ بامرأتين على قتلى رجالهما؟» وكانت صفية قد رأت في المنام، وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق أنّ قمرا وقع في حجرها، فعرضت رؤيتها على زوجها، فقال: ما هذا إلّا أنّك تمنين ملك الحجاز محمّدا، فلطم وجهها لطمة اخضرّت عينها منها، فأتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبها أثر منها.

فسألها: «ما هو؟» فأخبرته هذا الخبر، وأتى رسول الله بزوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وكان عنده كنز بني النضير، فسأله، فجحده أن يكون يعلم مكانه، فأتى رسول الله برجل من اليهود، فقال لرسول الله (عليه السلام) : إنّي قد رأيت كنانة يطيف هذه الخزنة كلّ غداة، فقال رسول الله لكنانة: «أرأيت إن وجدناه عندك أقتلك» . قال: نعم.

فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالخزنة، فحفرت، فأخرج منها بعض كنزهم، ثمّ سأله ما بقي، فأبى أن يؤدّيه، فأمر به رسول الله الزبير بن العوّام. فقال: «عذّبه حتّى تستأصل ما عنده» [٣٧] «١» .

فكان الزبير يقدح بزنده في صدره حتّى أشرف على نفسه، ثمّ دفعه رسول الله إلى محمّد ابن مسلمة، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة، وكانت اليهود ألقت عليه حجرا عند حصن ناعم، فقتله، كان أوّل حصن افتتح من حصون خيبر.

قالوا: فلمّا سمع أهل فدك بما صنع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بخيبر، بعثوا إلى رسول الله أن يسترهم ويحقن لهم دماءهم ويخلّوا له الأموال، ففعل، ثمّ إنّ أهل خيبر سألوا رسول الله أن يعاطيهم الأموال على النصف ففعل على إنّا إن شئنا فخرجنا أخرجناكم، وصالحه أهل فدك على مثل ذلك، وكانت خيبر فيئا للمسلمين، وكانت فدك خالصة لرسول الله (عليه السلام) لم يجلبوا عليها ب خَيْلٍ وَلا رِكابٍ.

فلما اطمأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم، شاة مصلية، وقد سألت، أي عضو من الشاة أحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيها السمّ، وسمّت سائر الشاة، ثمّ جاءت بها، فلمّا وضعتها بين يدي رسول الله، تناول الذراع، فأخذها، فلاك منها مضغة، فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء بن معرور، وقد أخذ منها كما أخذ منها رسول الله، فأما بشر فأساغها، وأمّا رسول الله فلفظها، ثمّ قال: «إنّ هذا العظم ليخبرني أنّه مسموم» . ثمّ دعاها، فاعترفت، فقال: «ما حملك على ذلك؟» قالت: بلغت من


(١) تاريخ الطبري: ٢/ ٣٠٢، والبداية والنهاية: ٤/ ٢٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>