الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ نزلت في عمرة بالقضاء وذلك
أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صالح أهل مكّة عام الحديبية على أن ينصرف عامه ذلك ويرجع العام القابل على أن يخلوا له مكّة ثلاثة أيام فيدخلها هو وأصحابه ويعمرون ويطوفون بالبيت ويفعلون ما أحبوا، على أن لا يدخلوها إلّا بسلاح الراكب في عمرة ولا يخرجوا بأحد معهم من أهل مكّة، فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذلك العام ورجع العام القابل في ذي القعدة ودخلوا مكّة واعتمروا وطافوا ونحروا وقاموا ثلاثة أيام فأنزل الله الشَّهْرُ الْحَرامُ ذو القعدة الذي دخلتم فيه مكّة واعتمرتم وقضيتم مناسككم وطوافكم في سنة سبع بِالشَّهْرِ الْحَرامِ ذي القعدة الذي صددتم فيه عن البيت ومنعتم من مرادكم في سنة ست.
والشَّهْرُ مرفوع بالابتداء وخبره في قوله بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ جمع الحرمة كالظلمات جمع الظلمة والحجرات جمع الحجرة والحرمة ما يجب حفظه وترك انتهاكه وإنّما جمع الحرمات لأنه أراد الشهر الحرام والبلد الحرام وحرمة الإحرام قِصاصٌ والقصاص المساواة والمماثلة: وهو أن يفعل بالفاعل كما فعل فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ قاتلوه بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ فسمي الجزاء باسم الابتداء «١» على مقابلة الشرط وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ الآية، اعلم إن التهلكة: مصدر بمعنى الإهلاك وهو تفعلة من الهلاك.
قال الثعلبي: وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا حامد الخازرنجي يقول: لا أعلم في كلام العرب مصدرا على تفعلة بضم العين إلّا هذا.
وقال بعضهم: التهلكة كل شيء تصير عاقبته إلى الهلاك.
ومعنى قوله لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ لا تأخذوا في ذلك.