للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتّى إذا ألقت يدا في كافر ... وأجّن عورات الثغور ظلامها «١»

أي بدأت في المغيب.

قال المبرد: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ أراد أنفسكم فعبّر بالبعض عن الكلّ كقوله تعالى ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ «٢» فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ «٣» والباء في قوله بِأَيْدِيكُمْ زائدة كقوله تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ قال الشاعر:

ولقد ملأت على نصيب «٤» جلده ... مساءة إن الصديق يعاتب «٥»

يريد ملأت جلده مساءة.

قالوا: والعرب لا تقول للإنسان ألقى بيده إلّا في الشر.

واختلف العلماء في تأويل هذه الآية.

فقال بعضهم: هذا في البخل وترك النفقة، يقول: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولا تمسكوا الإنفاق في سبيل الله فان الإمساك عند الانفاق في سبيل الله هو الهلاك وهو قول حذيفة والحسن وقتادة وعكرمة والضحاك وابن كيسان.

قال ابن عبّاس: في هذه الآية: أنفق في سبيل الله وإن لم تكن لك إلّا سهم أو مشقص ولا يقولن أحدكم إنى لا أجد شيئا «٦» .

وقال السّدي: فبما أنفق في سبيل الله ولو بمثقال. وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ لا تقل ليس عندي شيء.

مجاهد: لا نمنعكم نفقة في حق خيفة العيلة.

الحسن: إنّهم كانوا يسافرون ويغزون ولا ينفقون من أموالهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبّاس: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما أمر الناس بالجهاز إلى الحج، وقيل: إلى العمرة عام الحديبية، وكان إذا أراد سفر نادى مناديه بذلك فيعلمهم فيعدّوا أهبة السفر، فلمّا أمرهم بالتجهيز قام إليه ناس من اعراب حاضري المدينة فقالوا: يا رسول الله بماذا نتجهز فو الله لا من زاد ولا مال نتجهز به ولا يطعمنا أحد، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وقال سعيد بن المسيب ومقاتل بن حيان: لما أمر الله بالإنفاق قال رجال: أمرنا بالنفقة


(١) مجمع البيان: ١/ ٥١٥، أجن: أخفى، وعورات الثغور: خللها.
(٢) سورة الحجّ: ١٠.
(٣) سورة الشورى: ٣٠.
(٤) نصيب: اسم رجل.
(٥) مجمع البيان: ١/ ٥١٥.
(٦) راجع تفسير القرطبي: ٢/ ٣٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>