للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال السدي: أراد يا أيها النائم قم فصلّ. وقال عكرمة: يعني: يا أيّها الذي زمّل هذا الأمر أي حمّله، وكان يقرأ الْمُزَمَّلُ بتخفيف الزاي وفتح الميم وتشديدها. وقالت الحكماء: إنّما خاطبه بالمزمل والمدثر في أوّل الأمر لأنّه لم يكن أدّى بعد شيئا من تبليغ الرسالة.

قُمِ اللَّيْلَ قراءة العامة بكسر الميم، وقرأ أبو السماك العدوي: بضمه لضمة القاف إِلَّا قَلِيلًا ثمّ بين فقال: نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا إلى الثلث أَوْ زِدْ عَلَيْهِ على النصف إلى الثلثين، خيّره بين هذه المنازل، فلما نزلت هذه الآية صلّى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه واشتد ذلك عليهم وكان الرجل لا يدري متى ثلث الليل ومتى النصف ومتى الثلثان فكان يقوم حتى يصبح مخافة أن لا يحفظ حتى شقّ عليهم وانتفخت أقدامهم وانتقعت ألوانهم، فرحمهم الله سبحانه وخفف عنهم ونسخها بقوله: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى «١» الآية. وكان بين أوّل السورة وآخرها سنة.

وقال سعيد بن جبير: لمّا نزل قوله: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ مكث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على هذه الحال عشر سنين يقوم الليل كما أمره الله تعالى، وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه، فأنزل الله سبحانه بعد عشر سنين إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى «٢» الآية. فخفف عنهم بعد عشر سنين.

وقال مقاتل وابن كيسان: كان هذا قبل أن يفرض الصلوات الخمس، ثمّ نسخ ذلك بالصلوات الخمس. وقال ابن عباس: لما نزل أول المزمّل كانوا يقومون نحو من قيامهم في شهر رمضان، وكان بين أولها وآخرها سنة.

وروى أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة، قالت:

كنت أجعل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حصيرا يصلّي عليه من الليل، فتسامع الناس به، فاجتمعوا فلمّا تكثر جماعتهم، كره ذلك وخشي أن يكتب عليهم قيام الليل، فدخل البيت كالمغضب، فجعلوا يتنحنحون ويشتغلون حتّى خرج إليهم، فقال: «يا أيّها الناس اكلفوا «٣» من الأعمال ما تطيقون، فإنّ الله لا يملّ من الثواب حتّى تملّوا من العمل وإنّ خير العمل أدومه وان قلّ» [٤٢] «٤» فنزلت عليه: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ فكتبت عليهم وأنزلت بمنزلة الفريضة حتى إن كان أحدهم ليربط الحبل فيتعلق به، فمكثوا ثمانية أشهر، فلمّا رأى الله ما يكلّفون ويبتغون به وجه الله ورضاه رحمهم فوضع ذلك عنهم فقال: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ الآية. فردّهم إلى الفريضة ووضع عنهم قيام الليل إلّا ما تطوعوا به.

وقال الحسن: في هذه الآية الحمد لله تطوع بعد فريضة.

وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا. قال الحسن: اقرأه قراءة، بيّنه تبيانا، وعنه أيضا: اقرأه على


(١) سورة المزمل: ٢٠.
(٢) سورة المزمل: ٢٠.
(٣) أكلفوا: تحمّلوا: النهاية لابن الأثير.
(٤) تفسير القرطبي: ١٩/ ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>