للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استطعمتك فلم تطعمني، واستسقيتك فلم تسقني، واستكسيتك فلم تكسني، فيقول العبد: وكيف ذلك يا سيدي؟ يقول: مرّ بك فلان الجائع، وفلان العاري فلم [تعطف] عليه من فضلك، فلأمنعنّك اليوم من فضلي كما منعته.

وقال أهل الإشارة: أمر الله تعالى بالصدقة على لفظ القرض إظهارا لمحبّته لعباده المؤمنين، وذلك أنه إنما يستقرض من الأحبّة، ولذلك قال يحيى بن معاذ: عجبت ممن يبقى له مال ورب العرش يستقرضه، وقال بعضهم: هذا [تلطف] من الله تعالى في المواساة والإقراض لعباده.

أبو القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت على باب الجنة مكتوبا:

والقرض بثمانية عشر، والصدقة بعشر فقلت: يا جبرئيل ما بال القرض أعظم أجرا؟ قال: لأن صاحب القرض لا يأتيك إلّا محتاجا، وربّما وقعت الصدقة في غير أهلها» [١٧٨] «١» .

أبو سلمة عن أبي هريرة وابن عباس قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أقرض أخاه المسلم فله بكل درهم وزن أحد وثبير وطور سيناء حسنات» [١٧٩] «٢» .

فمعنى الآية: من هذا الذي (مَنْ) استفهام ومحلّه رفع بالابتداء و (الَّذِي) خبره (يُقْرِضُ اللَّهَ) ينفق في طاعة الله، وأصل القرض القطع، ومنه قرض الفأر الثوب وسمّي الشعر قريضا لأنّه يقطعه من كلامه، والدّين قرضا لأنّه يقطعه من ماله.

قَرْضاً حَسَناً قال علي بن الحسين الواقدي يعني محتسبا، طيّبة به نفسه. ابن المبارك:

هو أن يكون المال من الحلال. عمر بن عثمان الصدفي: هو أن لا يمنّ به ولا يؤذي. سهل بن عبد الله: هو أن لا يعتقد بقرضه عوضا فَيُضاعِفَهُ يزيده لَهُ واختلف القرّاء فيه، فقرأ عاصم وابن أبي إسحاق وأبو حاتم فَيُضاعِفَهُ نصبا بالألف، وقرأ ابن عامر ويعقوب بالتشديد والنصب وبالألف، وقرأ ابن كثير وأبو جعفر بالتشديد والرفع، وقرأ الآخرون بالألف والتخفيف ورفع الفاء، فمن رفع جعله نسقا على قوله يُقْرِضُ، وقيل: فهو يضاعفه، ومن نصبه جعله جوابا للاستفهام بالفاء، وقيل: بإضمار أن والتشديد والتخفيف لغتان، ودليل التشديد قوله أَضْعافاً كَثِيرَةً لأنّ التشديد للتكثير.

قال الحسن والسدي: هذا التضعيف لا يعلمه إلّا الله مثل قوله وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً وقال أبو هريرة: هذا في نفقة الجهاد، قال: وكنّا نحسب- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا- نفقة الرجل على نفسه ورفقائه وظهره ألفي ألف.

وَاللَّهُ يَقْبِضُ يعني يمسك الرزق عمّن يشاء ويقتر ويضيق عليه، دليله قوله وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ


(١) كنز العمال: ٦/ ٢١١ ح ١٥٣٨٢.
(٢) بغية الباحث: ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>