للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي يمسكونها عن النفقة في سبيل الله وَيَبْصُطُ أي يوسع الرزق على من يشاء، نظيره قوله وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ الآية، والأصل في هذا قبض اليد عند البخل وبسطها عند البذل.

وقيل: هو الإحياء والإماتة فمن أماته فقد قبضه ومن مدّ له في عمره فقد بسط له، وقيل:

وَاللَّهُ يَقْبِضُ الصدقة وَيَبْصُطُ بالخلف، وروى اليزيدي عن عمرو قال: بالصاد في بعض الروايات، وعن بعضهم كأنّه قال: هذا في القلوب، لمّا أمرهم الله بالصدقة أخبرهم أنه لا يمكنهم ذلك إلّا بتوفيقه، وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ يعني يقبض على القلوب فيزويه كيلا ينبسط لخير ويبسط بعضها فيقدّم لنفسه خيرا.

وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ يعني وإلى الله تعودون فيحسن لكم بأعمالكم، وقال قتادة: الهاء راجعة إلى التراب كناية عن غير مذكور أي من التراب خلقهم وإليه يعودون،

وعن ابن مسعود وأبي أمامة وزيد بن أسلم- دخل حديث بعضهم في بعض- قالوا: نزلت مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً الآية، فلمّا نزلت قال أبو الدحداح: فداك أبي وأمي يا رسول الله، إنّ الله يستقرض وهو غنيّ عن القرض، قال: «نعم، يريد أن يدخلكم الجنة» قال: فإنّي إن أقرضت ربي قرضا تضمن لي الجنة؟ قال: «نعم، من تصدّق بصدقة فله مثلها في الجنّة» ، قال: فزوجي أم الدحداح معي؟ قال: نعم قال [وصبيان] الدحداح معي؟ قال: نعم، قال: ناولني يدك فناوله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده فقال: إنّ لي حديقتين إحداهما بالسافلة والأخرى بالعالية، والله لا أملك غيرهما وجعلتهما قرضا لله عزّ وجلّ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اجعل إحداهما لله عزّ وجلّ والأخرى معيشة لك ولعيالك» قال: فأشهدك يا رسول الله أني جعلت غيرهما لله تعالى وهو حائط فيه ستمائة نخلة، قال: «يجزيك الله إذا به بالجنة» .

فانطلق أبو الدحداح حتّى أتى أم الدحداح وهي مع صبيانها في الحديقة تدور تحت النخل فأنشأ يقول:

هداك ربي سبل الرشاد ... إلى سبيل الخير والسداد

قرضي من الحائط لي بالواد ... فقد مضى قرضا إلى التناد

أقرضته الله على اعتماد ... بالطوع لا منّ ولا ارتداد

إلّا رجاء الضعف في المعاد ... فارتحلي بالنفس والأولاد

والبرّ لا شك فخير زاد ... قدّمه المرؤ إلى المعاد

قالت أم الدحداح: ربح بيعك، بارك الله لك فيما اشتريت، فأنشأ أبو الدحداح يقول:

مثلك أجدى ما لديه ونصح ... إن لك الحظ إذا الحق وضح

قد متّع الله عيالي ومنح ... بالعجوة السوداء والزهو البلح

<<  <  ج: ص:  >  >>