تعالى قوله فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ بقوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ «١» بالسيف وَالْمُنافِقِينَ بالكلام الغليظ.
فإن قيل: ما وجه الحكمة في [أعدائه] ذكر مهلهم. ثم قال (بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) فصرف الخطاب من [جلهم] إلى بعضهم.
يقال: إذ إنما عبر عن حال من علم الله وبقي على كفره ونفاقه، فأما من علم أنه يرجع عن ذلك فإنه صفح عن ذكرهم، وقد قيل: إنه غير عن حال من أحوالهم قد تستّر في أمره، فأما من سمع وسكت فإنه لم يذكرهم، وفي قوله مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ دليل على إبطال قول من زعم أنّ السنّة تعرض على الكتاب لم يعمل بها وذلك إن كل ما نص الله عز وجل، عليه فإنّما صار فرضا بالكتاب، فإذا عدم النص من الكتاب، وورد به السنّة فوجب إتباعها، ومن خالفها فقد خالف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومن خالف رسول الله فقد خالف الله، لأن في طاعة الرسول طاعة الله، فمن زعم أنه لم يقبل خبره إلّا بعد أن يعرض على كتاب الله، فقد أبطل كلّ حكم ورد عنه ما لم ينصّ عليه الكتاب.
وأما قوله وَيَقُولُونَ طاعَةٌ ففيه دليل على أنّ من لم يعتقد الطاعة فليس بمطيع على الحقيقة، وذلك أن الله تعالى لمّا تحقّق طاعتهم فيما أظهروه، فقال: ويقولون ذلك لأنّه لو كان للطاعة حقيقة إلّا بالاعتقاد لحكم لهم بها [فثبت] أنه لا يكون المطيع مطيعا، إلّا باعتقاد الطاعة مع وجودها.
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ يعني أفلا يتفكّرون في القرآن، فيرون بعضه يشبه بعضا، ويصدق بعضه بعضا، وإن أحدا من الخلائق لم يكن يقدر عليه فسيعلمون بذلك إنه من عند الله إذ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً أي تفاوتا وتناقضا كثيرا هذا قول ابن عباس.
وقال بعضهم: وَلَوْ كانَ هو مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ أي في الإخبار عما غاب عنهم.
ما كان وما يكون اخْتِلافاً كَثِيراً، يعني تفاوتا بينا. إذا الغيب لا يعلمه إلّا الله فيعلم بذلك أنه كلام الله وأنّ محمدا رسول الله صادق، وفي هذه الآية دليل على أنّ القرآن غير مخلوق إذ هو معرى عن الأخلاق من كل الجهات ولو كان مخلوقا لكان لا يخلو من اختلاف وتفاوت.
وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ الآية، وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يبعث السرايا فإذا غلبوا أو غلبوا بادر المنافقون إلى الاستفسار عن حال السرايا فيفشون ويحدّثون به قبل أن يحدّث به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله وَإِذا جاءَهُمْ يعني المنافقين، أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ