وقال قائلون: يجوز أن لا يكون ذلك اختلافا في حقيقة، وأن يكون مراد من قال: وذو الحجة أنه بعضه، لأن الحج لا محالة، إنما هو في بعض هذه الأشهر لا في جميعها، لأنه لا خلاف أنه ليس يبقى بعد أيام منى شيء من مناسك الحج، فأريد بعض الشيء يذكر جميعه، كما قال صلّى الله عليه وسلم في أيام منى ثلاثة، وإنما هي يومان وبعض الثالث.
ويقال: حجبت عام كذا، وإنما حج في بعضه، ولقيت فلانا في سنة كذا، وإنما كان لقاؤه في بعضها، وكلمته يوم الجمعة وإنما المراد به البعض.. هذا في فعل لا يستغرق كل الوقت..
ويحتمل وجها آخر: وهو أن الجاهلية كانوا ينسئون الشهور، فيجعلون صفر المحرم، ويستحلون المحرم على حسب ما يتفق لهم من الأمور التي يريدون بها القتال، فأبطل الله تعالى النسيء، وأقر وقت الحج على ما كان عليه ابتداؤه يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة إثنا عشر شهرا منها أربعة حرم: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادي وشعبان، فقال الله تعالى:(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) ، يعني بها هذه الأشهر، التي ثبت وقت الحج فيها، دون ما كان عليه أهل الجاهلية من تبديل الشهور وتقديم الحج وتأخيره، وقد كان الحج عندهم معلقا بأشهر الحج، التي هي الأشهر الحرم الثلاثة التي يأمنون فيها صادرين وواردين، فذكر الله تعالى هذه الأشهر، وأخبر باستقرار أمر الحج فيها، وحظر عليهم تغييرها وتبديلها إلى غيرها.
ويحتمل أيضا أن الله تعالى لما قدم ذكر التمتع إلى الحج، ورخص فيه وأبطل به ما كانت العرب تعتقده من حظر العمرة في هذه الأشهر،