للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقيل لهم: قد ذكر الإفاضة من عرفات، فأي معنى لذكر الإفاضة ثانيا؟

فأجابوا: بأن فائدته أن يعلم أنه ليس خطابا لمن كان يقف بها من قبل، دون من لم يكن يرى الوقوف بها، فيكون التاركون للوقوف على ملة إبراهيم في الوقوف بالمزدلفة دون عرفات، فأبطل ظان «١» الظان لذلك بقوله: (أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) ..

أما كون الوقوف ركنا لا يصح الحج بدونه، فإنما علم بالإجماع وفيه إخبار أيضا، فمنه ما رواه عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال:

سئل النبي عليه السلام: كيف الحج؟ قال: «يوم عرفة، من جاء عرفة ليلة جمع قبل الفجر فقدتم حجه» ..

وروى الشعبي عن عروة بن مضرس الطائي، أن النبي عليه السلام قال بالمزدلفة:

«من صلّى معنا هذه الصلاة، ووقف معنا هذا الموقف، ووقف بعرفة ليلا أو نهارا، فقد تم حجه وقضى تفثه» «٢» .

وليس وجوب الوقوف والاعتداد به مخصوصا بالليل أو النهار، فالوقوف نهارا غير مفروض، وإنما هو مسنون، وقد دل ما رويناه من الخبر ومطلق قوله تعالى: (ثُمَّ أَفِيضُوا) ، على عدم اختصاصه بليل أو نهار، ولا يعرف لمذهب مالك وجه، إلا أن أهل الجاهلية كانوا يدفعون منها، إذا صارت الشمس على رؤوس الجبال، كأنها عمائم الرجال في وجوههم، وإنما كانوا يدفعون من المزدلفة، بعد طلوع


(١) لعلها: ظن.
(٢) أخرجه الترمذي في سننه ج ٣، ص ٢٢٩.