وروي عن أبي سعيد الخدري والشعبي والحسن، أن الاشهاد في آية المداينة منسوخ بقوله تعالى:(فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ)(٢٨٣) .
فاختلفت الأقوال على ما ترى، فنقول وبالله التوفيق.
إن قوله تعالى:(فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ، لم يتبين تأخر نزولها عن صدر الآية المشتملة على الأمر بالاشهاد، بل وردا معا، ولا يجوز أن يرد الناسخ والمنسوخ معا جميعا في حالة واحدة، فدل ذلك على أن الأمر بالإشهاد ندب لا واجب، والذي يزيده وضوحا أنه قال:(فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ، ومعلوم أن هذا الأمن لا يقع إلا بحسب الظن والتوهم، لا على وجه الحقيقة، وذلك يدل على أن الشهادة إنما أمر بها لطمأنينة قلبه لا لحق الشرع، فإنها لو كانت لحق الشرع ما قال:(فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) .
ولا ثقة بأمن العباد، إنما الاعتماد على ما يراه الشرع مصلحة.
فالشهادة متى شرعت في النكاح، لم تسقط بتراضيهما وأمن بعضهم بعضا، فدل ذلك أن الشهادة شرعت للطمأنينة، ولأن الله تعالى جعل لتوثيق الديون طرقا:
منها: الكتاب.
ومنها: الرهن.
ومنها الإشهاد.
ولا خلاف بين علماء الأمصار، أن الرهن مشروع بطريق الندب لا بطريق الوجوب، فيعلم من ذلك مثله في الإشهاد.
وما زال الناس يتبايعون سفرا وحضرا، وبرا وبحرا، وسهلا وجبلا