من غير إشهاد مع علم الناس بذلك من غير نكير، ولو وجب الإشهاد لما تركوا النكير على تاركه.
ومعلوم أن الإنسان في غير البيع والشراء، قد يأتمن الرجل على ماله فلا يحرم عليه، ولو باعه شيئا وأسلفه الثمن، يجوز إذا ائتمنه على ثمنه.
فإذا ملك الإنسان الثمن بالبيع، فسواء ائتمن عليه المشترى أو اختلفا بعد استيفائه منه، فالكل واحد، وذلك يدل على أن الأمر بالإشهاد ندب.
وقد ظن بعض الناس أن قوله تعالى:(إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) دليل على جواز التأجيل في القروض على ما قاله مالك، إذ لم يفصل بين القرض وسائر عقود المداينات، وهذا غلط منه، لأن الآية ليس فيها بيان جواز التأجيل في سائر الديون، وإنما فيها الأمر بالإشهاد، إذا كان دينا مؤجلا، ثم يعلم بدلالة أخرى جواز التأجيل في الدين وامتناعه.
ظن ظانون أنه قد كان وجب في الأول على كل من اختاره المتبايعان، أن يكتب، وكان لا يجوز له أن يمتنع، حتى نسخه قوله تعالى:(وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) .
وهذا بعيد، فإنه لم يثبت وجوب ذلك على كل من أراده المتبايعان كائنا من كان، وإنما كان ذلك على وجه آخر، وهو أنه من علم ذلك «١» بينه لهما، وليس عليه أن يكتبه، ولكن يبينه لهما حتى يكتباه أو يكتبه لهما أجير أو متبرع بإملاء من يعلمه، كما لو استفتيناه في صوم أو صلاة تطوعا أو فرضا، فعليه بيان الشريعة في ذلك، فهذا مثله، ولو كانت