للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكرناه من المعاني التي استنبطها السلف من مضمونه وتحريهم موافقته مع احتماله لجميع ذلك، يدل على أنه كلام الله تعالى ومن عنده، إذ ليس في وسع البشر إيراد لفظ على هذه الوجازة يتضمن هذه المعاني البديعة.

قوله تعالى: (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) .

يدل على أنه لا يجوز لأحد أن يشهد على الآخر، وإن رأى الخط، إلا أن يكون ذاكرا لما يشهد به.

ثم قال: (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) ، فدل ذلك على أن الكتاب إنما أمر به ليتذكر به كيفية الشهادة، وأنها لا تقام إلا بعد حفظها وإتقانها.

وفيه الدلالة على أن الشاهد إذا قال لا أذكر، ثم تذكر، يجوز له إقامة الشهادة «١» .

ثم إن الله تعالى إنما ذكر في المداينات الحجج التي تستقل بإثبات المداينات، ولم يتعرض لما سواها، وقد ظن ظانون من أصحاب أبي حنيفة، أن إسقاط العدد المذكور في القرآن لا يجوز، وأن الذي جعله الشرع سببا لا يجوز تغييره والنقصان منه، ولا يحط منه وصف الرضا وهو العدالة، ولا الوصف الآخر وهو العدد، ثم قال:

(ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) .


(١) إذ معنى «أن تضل» أن تنسى لأن الضلال هو الذهاب عن الشيء فلما كان الناس ذاهبا عما نسيه جاز أن يقال ضل عنه بمعنى أنه نسيه (جصاص) .