وأبان أن ذلك أدنى ما يتعلق به مقصود الشرع، وأن القدر المقصود من الاحتياط والحجة المعتبرة هذا المذكور في القرآن، وذلك ينفي إيجاب الحكم بالشاهد واليمين، فإن اليمين دون الشهادة لا محالة، وقد أبان الله تعالى أن أدنى درجات الاحتياط هو المذكور، فلا يثبت بما دونه، وهذا حسن بين.
والذي يقبل الشاهد واليمين يقول:
معنى قوله تعالى:(وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) في الشهادة وحدها، لا فيها وفي غيرها، والشاهد واليمين جنسان مختلفان لا تعرض لهما في القرآن.
ويقول أصحاب الشافعي في قول: إن الحكم باليمين، غير أن الشاهد يقوى جانبه، ويصير هو بمثابة المدعى عليه الذي ظهر جانبه باليد، فعلى هذا لا يستقيم التعلق بالقرآن في تحقيق غرضهم..
قوله تعالى:(وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) .
روي عن جماعة من المفسرين «١» أن المراد به: إذا دعوا لإقامتها.
وعن قتادة: إذا دعوا إلى إثبات الشهادة في الكتاب، فأما عند الإثبات فلا يجب على الشهود الحضور عند المتعاقدين، وإنما على المتداينين أن يحضرا عند الشهود، فإذا حضراهم وسألاهم إثبات شهادتهم في الكتاب، فهذه الحال هي التي يجوز أن تراد بقوله:(وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) لإثبات الشهادة، فأما إن ثبتت بشهادتهم، ثم دعوا لإقامتها عند الحاكم، فهذا الدعاء هو لحضورهما عند الحاكم، ولا يحضر الحاكم
(١) منهم سعيد بن جبير، وعطاء، ومجاهد، والشعبي، وطاوس.