عند الشاهدين، ليشهدا عنده وإنما على الشهود الحضور عند الحاكم.
فالدعاء الأول إنما هو لإثبات الشهادة في الكتاب، والدعاء الثاني لحضورهم عند الحاكم وإقامة الشهادة عنده.
واللفظ يحتمل الأمرين جميعا، ولا معنى لاختلاف المفسرين في معناه، إذا كان اللفظ يدل عليهما من طريق العموم.
وقوله:(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) ، يجوز أن يكون متناولا للأمرين جميعا، وإن كان قوله:(أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) ، يرجع جانب التحمل، ولكن ذكر بعض ما يتناوله اللفظ لا يمنع التعلق بعمومه فيما أمكن تعميمه فيه، على رأي أكثر الأصوليين، وإن خالفهم قوم في ذلك وادعوا التوقف، وليس ذلك بالبعيد عندنا على ما شرحناه في الأصول، مع أن اسم الشهداء لا يكون حقيقة، إلا في حالة إقامة الشهادة عند الحاكم، وإن كان ينطلق على غيره بطريق المجاز مثل قوله:
(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) .
فسماهم شهيدين وأمرنا باستشهادهما قبل أن يشهدا. وهو بمثابة قوله:
وقوله:(وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا، الآية) ، يدل على أن إقامة الشهادة تجب حيث لا يجد المستشهد غيره، وهو فرض على الكفاية، كالجهاد والصلاة على الجنائز وغسل الموتى ودفنهم، متى قام به قوم سقط عن الباقين.