للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

توهم متوهمون من السلف بحكم هذه الآية، أن للوصي أن يأكل من مال الصبي قدرا لا ينتهي إلى حد السرف، وذلك خلافا ما أمر الله تعالى به في قوله:

(لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) «١» .

ولا يتحقق ذلك في مال اليتيم.

فقوله: (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) يرجع إلى أكل مال نفسه دون مال اليتيم فمعناه:

ولا تأكلوا أموال اليتيم مع أموالكم، بل اقتصروا على أكل أموالكم، وقد دل عليه قوله تعالى: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) «٢» .

وبان بقوله تعالى: (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ، وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) ، الاقتصار على البلغة حتى لا يحتاج إلى أكل مال اليتيم، فهذا تمام معنى هذه الآية، فقد وجدنا آيات محكمات بمنع أكل مال الغير بغير رضاه، سيما في حق اليتيم، ووجدنا هذه الآية محتملة للمعاني، فحملها على موجب الآيات المحكمات متعين «٣» .

وقد جوز أبو حنيفة للوصي أن يعمل في مال الصبي مضاربة، فيأخذ منه مقدار ربحه، وإذا جاز ذلك، فلم لا يجوز أن يأكل من ماله إذا عمل فيه، فيأخذ أجر المثل بل هو أولى، فإن أجر المثل معلوم في وضع


(١) سورة النساء آية ٢٩.
(٢) سورة النساء آية ٢.
(٣) انظر القرطبي في تفسيره ج ٥ ص ٤٣.