ودل به على أنه إذا كان قليل الحال وورثته فقراء، فالمستحب أن لا يوصي أصلا.
وفيه دليل على أن الصدقة في المرض وصية غير جائزة إلا من الثلث، لأن سعدا قال: أتصدق بجميع مالي؟ فقال: لا، إلا أن يرده إلى الثلث.
وقول سعد: أتخلف عن هجرتي؟ .. معناه أنه يموت بمكة وهي داره التي هاجر منها إلى المدينة، وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلم نهى المهاجرين عن أن يقيموا بعد النفر أكثر من الثلاث، وهاجر سعد مع النبي صلّى الله عليه وسلم وتخلف بعده، حتى نفع الله به أقواما وضرّ به آخرين، وفتح الله على يديه بلاد العجم وأزال ملك الأكاسرة.
وإذ قال تعالى:(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) ، فيدل ظاهره على أن كل من كان عليه ما يسمى دينا، فلا يأخذ الوارث تركته.
ومساق ذلك أن دين الزكاة يؤخذ من ماله بعد الموت، وكذلك الحج، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلم سماه دين الله وجعله أحق الديون.
ومن الجهالات قول الرازي إن ذلك دين الله، فلا يفهم من مطلق اسم الدين، فإن الاختلاف في المضاف اليه لا في اسم الدين.
ولو قال قائل دين الآدمي ينطلق عليه اسم الدين لأنه مضاف إلى الآدمي، كان مثل ذلك.
ومطلق قوله «يوصي» ، لا فصل فيه بين الوصية للوارث والأجنبي، إلا أن الأخبار قيدت بالوصية للأجنبي «١» على ما رواه الفقهاء في كتبهم، ودل الإجماع أيضا عليه.
(١) أخرج أبو داود والترمذي وأحمد وعبد بن حميد والبيهقي في سننه عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم في حجة الوداع في خطبته يقول: ان الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث، راجع فتح الباري في هذا الباب.