ومطلق قوله تعالى:(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ) ، يقتضى التسوية بين مقدار الثلث وما فوقه، إلا أنه إذا كان هناك وارث معين استثناء رسول الله صلّى الله عليه وسلم بقوله:«إنك إن تدع ورثتك أغنياء» الحديث.
فإذا لم يكن وارث معين بقي عند أبي حنيفة على موجب العموم، إلا أن الشافعي رضي الله عنه يقول: قوله: (يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) ، ما ورد إلا في موضع الوراثة، ولم يرد مطلقا، فكيف يمكن الاستدلال بعمومه، وهذا قاطع في منع الاستدلال بعموم الآية في الوصية، وإذا لم يمكن ذلك، يبقى لنا أن الأصل امتناع إضافة التصرف إلى ما بعد الموت إلا بقدر ما استثنى، وقد شرحنا ذلك في مسائل الخلاف، وإنما مقصودنا بهذا الكتاب البحث عن معاني كتاب الله.
قوله تعالى في مساق الوصية:(غَيْرَ مُضَارٍّ) ، أي غير مضار بالوصية، وذلك بأن يوصي بأكثر من الثلث.
وقوله تعالى:(غَيْرَ مُضَارٍّ) ، يمتنع التعلق بعموم آية الوصية فيما يقع التنازع فيه، فإنه لا يدري أنه من قبيل المضارة أم لا، فيمتنع التعلق بعمومه لمكان الاستثناء المبهم، وهذا بين في منع التعلق بالعموم في الوصية، ومما يتعلق بمعاني الآية أن عموم قوله تعالى:(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ) ، مع ذكر الزوجة والإخوة والأخوات، يدل على ميراث القاتل والرقيق والكافر، غير أن الأخبار الخاصة منعت منه، وإذا صار مضمون الخبر مقدما، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: