للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أراد أنه صلّى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم، فغلط بهذا، فهذا غاية ما قاله:

والذي يحمل الملامسة على الجماع يقول: إن الله تعالى ذكر الأحداث كلها بألفاظ هي كناية «١» ، فإنه ذكر الغائط وهو كناية، فيظهر أن يكون هذا أيضا كناية عن الجماع.

وهذا يجاب عنه بأن الغائط كناية مشهورة غالبة في عرف الاستعمال حتى لا يعرف من المتعارف سواه، والكناية المشهورة في الجنابة الجماع، فالجماع كناية عن اللفظ الأصلي الذي يستحي عن ذكره، مثل الغائط كناية عن الفضلة المستقذرة، فالله تعالى لم يكن عن سبب الجنابة باللفظ الأصلي الموضوع للكناية، وإنما ذكر الملامسة، وما اشتهر في العرف أن يكنى بها عن سبب الجنابة، فلو أراد الكناية، لذكر اللفظ الموضوع للكناية، وهذا بين ظاهر لا غبار عليه «٢» .

ومن وجه آخر: وهو أنه ذكر الغائط وهو سبب الوضوء دون الغسل، فيظهر أن يكون قرينه سبب الوضوء، لأنه تعالى أفرد الجنابة فقال:

(وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) «٣» .

وذكر في موضع: «فاطهروا» وهو يعني الغسل.

والمخالف يقول: ذكر الله تعالى الجنابة ولم يذكر سببها، ثم ذكر بعد ذلك سبب الحدث، وهو المجيء من الغائط، فيشبه أن يكون قد


(١) انظر تفسير الطبري.
(٢) وقد فصل ذلك صاحب روائع البيان في كتابه ج ١ ص ٤٨٧- ٤٨٨.
(٣) سورة النساء آية ٤٣.