للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكره الله تعالى مع ما يكون منه الوضوء، ولم يذكر في موضع الجنابة.

وذهب قوم من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أن الجنب يتيمم للرواية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولهم أن يقولوا: يجوز أن يكون ذلك في القرآن ولكنه يستدرك بالاجتهاد والنظر، مثل ما بينا وجهه، وليس كل ما في القرآن يكون جليا يدركه كل واحد، ولذلك لم يفهم كثير من الناس أن الجنب يصح صومه إذا أصبح جنبا، حتى احتج ابن عباس بقوله تعالى:

(فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) إلى قوله (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) «١» .

فإباحة المباشرة إلى الصبح تقتضي وقوع الغسل بعد الصبح، وهذا لم يفهمه غيره، وهو في القرآن تحقيقا.

واستدل بالقرآن في أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، إلى غير ذلك من احتجاجات غامضة بالقرآن، فيجوز أن يكون هذا أيضا في القرآن ولكنه لا يعرف قبل اعمال الفكر وإجالة الاجتهاد، وهذا بيّن.

وبالجملة، هذا أقرب من أن يقال: إن الله تعالى ذكر طهارة الجنب والمحدث عند وجود الماء، ثم يذكر طهارة المحدث عند عدمه ولا يذكر طهارة الجنب، مع أن الإشكال في تيمم الجنب أعظم، فإن فيه تسوية بين المحدث والجنب في الطهارة عند عدم الماء، مع افتراقهما عند وجودة.

وقد ذكر محمد بن مسلمة في الآية التي تقارب هذه في سورة


(١) سورة البقرة آية ١٨٧.