وأخبرهم أنه يعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا، فكان الاستثناء إلى ها هنا.
ويكثر في القرآن التقديم والتأخير في النسق.
وروى مالك عن زيد بن أسلم، مما دل على التقديم والتأخير فقال:
قوله تعالى:
(إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) : معناه من المضاجع، فالنوم بسبب الحدث، والغائط وملامسة النساء: سببان آخران للوضوء، مثل القيام من المضاجع، فهذه أسباب ثلاثة.
وقوله:(وَأَرْجُلَكُمْ) ، نسق الوجه واليدين، ومنصوب على ما تقدم من الفعل الواقع عليه في قوله:(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) فأضمر ذلك، فقوله:(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ، له موجب آخر غير المذكور، فلا يجوز أن يذكر غسل الوجه واليدين موجبا للغائط المذكور بعده، فليكن الموجب مقدما على الموجب، وهذا بين، ولأنا لو لم نقدر هذا، عددنا السفر والمرض حدثا، والغائط ولمس النساء، وليس المرض والسفر حدثا، ولا هما من أسباب الحدث.
الاعتراض عليه أن المخالف يقول: لا يمكن أن تحمل الآية على وجه لا يحتاج فيه إلى تقديم وتأخير، فإنه تعالى قال (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) محدثين، من غير أن يذكر سبب الحدث، ذكر الطهارة الصغرى، ثم قال مطلقا:(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ، من غير أن يكون ذاكرا لسبب الجنابة، ثم قال:(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ) ، فذكر السبب بعد ذكر المسبب، وأراد أن يتعرض للسببين الأصليين اللذين يحصل بهما الحدثان غالبا، فقال:(أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ)