ثم قال تعالى:(وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) ، فإنها في الآية إيجاب الدية مطلقا، وليس فيه إيجابها على العاقلة أو على القاتل، وإنما أخذ ذلك من السنة، ولا شك أن إيجاب المساواة على العاقلة خلاف قياس الأصول من الغرامات وضمان المتلفات، والذي أوجب على العاقلة، لم يجب تغليظا، ولا أن وزر القاتل عليهم، ولكنه مواساة محضة.
واعتقد أبو حنيفة أنها باعتبار النصرة لازمة، وإنما هي إلى اختيار من في الديوان، وأما الناشئ من القرابة فيه لازم لا يزول، وما كل نصرة تعتبر، فإن الزوج ينصر زوجته ولا يتحمل عقلها، والمؤمنون ينصر بعضهم بعضا، والأصل عدم التحمل إلا حيث أثبت التحمل، وقد أثبت التحمل في نصرة الأقارب، فلا يجوز طرح وصف القرابة وإلغاؤها.
ثم اعلم أن الله تبارك وتعالى، أطلق الدية ولم يبين مقدارها، فلا نعلم مقدارها إلا من حيث بيان آخر، ولا يفهم من إيجاب أصل الدية إبانة التفاوت بين العمد والخطأ وشبه العمد، ولا بين الكافر والمسلم، ولا أصل المساواة، وإنما المساواة والتفاوت صفات وكيفيات، تعلم من بيان آخر، ولا نعلم منه التسوية بين الحر وغيره في مقدار الدية ولا التفاوت، فهذا بين يعرف بمبادئ النظر.
وقد غلط الرازي فيه من وجوه عدة، وعثر عثرات متتابعة، وظن أن الله تبارك وتعالى لما ذكر في قتل المعاهد:(وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) أن المراد به مثل دية المسلم في المقدار، ولم يعلم أن هذا الكلام لا تعلق له بالمقدار، فإنه لو اقتصر على ذكر دية المسلم، لم يفهم منه المقدار، وضم مثله إليه في المعاهد، كيف يكون بيانا للمقدار؟ وإذا قال القائل: من أتلف دما فعليه ضمانة، ومن أتلف ثوبا فعليه ضمانه،