للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس يبين في أكثر حجاج الشافعي مقاطع الحجاج على ما يعهده «١» الجدليون، وإنما يرمز إلى المقصود رمزا غير بان كلامه على أفهام ضعفة العقول ومنقوصي الأذهان.

ونحن نذكر تقرير قول الشافعي، أنه رحمه الله أشار بقوله إلى أن الكفارة في المستقبل ما وجبت إلا باعتبار الخيانة، فإن الكفارة لا تكون جزاء على فعل مباح أو فعل واجب، وإنما هي جزاء على أمر مكروه منهي عنه.

فإذا ثبت ذلك، فمن حلف على ترك فعل مباح أو واجب في المستقبل، ثم فعل، فلا يمكن أن يقال إن الكفارة لأجل ذلك الفعل المباح، الذي ندبه الشرع إلى فعله، وإنما تجب الكفارة لأجل ما اتصفت به اليمين من صفة الحنث، فيقال صارت اليمين كاذبة، بدل ما يقال إن اليمين صادقة، فإذا كانت الكفارة لأجل صفة الحنث لا لأجل الفعل المباح، فوصف الحنث جناية على اليمين، وذلك في الماضي والمستقبل واحد.

فقال إسماعيل في الذي شبه الشافعي به أمره، أن يستأنف بعد اليمين شيئا كان حلف فيه أن لا يفعله، والذي حلف على كذب بعد علمه، مخبر عن شيء قد مضى كاذب فيه، فلم يفهم المقصود، فجعل الفرق بينها الماضي والمستقبل، وقال يجب أن يؤمر بالحنث فيما مضى، كما أمر به في المستقبل، وهذا كلام من لا يحل له أن يتصدر للتصنيف في الدين، فضلا عن أن يرد على الشافعي.

ثم قال: جعل الله الكفارة عن اليمين، فمن كفر فلا إثم عليه، فينبغي أن يكون هذا في قول الشافعي لا إثم عليه، فظن أن الكفارة هي التي ترفع الإثم، وقد بينا في مواضع أن التوبة هي الرافعة، وأن الكفارة تجب في


(١) في نسخة: يعقده.