للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا صحيح على ما هو قول مالك، ويظهر الكلام فيه على أبي حنيفة، وذكر الرازي فصولا في منع التعليل، كرهنا ذكرها لسقاطتها، ولكونها أقل مما يحتاج إلى ذكرها وتكلف الجواب عنها، فاعلمه.. إلا أن الإشكال في السباع التي لا تعدو ولا تضرى.

واعلم أن ما لا يعدو منها، فأكثرها مأكول اللحم عند الشافعي، كالضبع والثعلب، يبقى ذلك ما لا يسمى صيدا مثل الهرة الأهلية، وهي غير داخلة في عموم الآية.

وبعد، فإنه تعالى لما قال: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ) ، وقابله بصيد البر فقال: (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ) «١» ، علم أنه إنما حرم للأكل، فانصرف إلى ما يؤكل بحال، ثم قال: ما دمتم حرما، فمد التحريم إلى غاية، والذي هو محرم لعينه، لا يقال فيه حرم عليكم ما دمتم حرما، ويجعل في مقابلته صيد البر، فهذا هو الذي يستدل به الشافعي في تخصيص الآية في مأكول اللحم.

قوله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) «٢» .

اختلف الناس في ذلك، فمنهم من سوى بين العمد والخطأ وهم جمهور العلماء، ومنهم من خص ذلك بالعمد على ما ذكره الله في كتابه، وهو قول طاوس وعطاء وسالم وداود، والذين مالوا إلى موجب الجمهور، وذكروا أن فائدة ذكر المتعمد يظهر في نسق التلاوة في قوله تعالى: (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ) ، وذلك يختص بالعمد دون الخطأ، لأن المخطئ لا يجوز أن يلحقه الوعيد، فخصص العمد بالذكر، وإن كان الخطأ والنسيان مثله ليصح رجوع الوعيد إليه، وإذا صح مجمل التخصيص


(١) سورة المائدة آية ٩٦.
(٢) سورة المائدة آية ٩٥.