الكافر الجزية متى اقتضت عصمة، فكأنها دفع القتل عنه ليتدبر قبح القبح فيسلم، فجرى مجرى العبادات، وما يجب فعله لا يعد من العقوبات.
فإن قيل: إنما يجب عليهم ما يحسن لا ما يقبح ويحرم، فكيف يحسن منه دفع الجزية، ومن الإمام أخذها، وإذا أخذناها منه على طريق عصمة دمه، فقد رضينا بمقامه على كفره، وهم متى أرادوا دفع الجزية فقد أرادوا مقامهم على الكفر، وذلك يوجب قبح الدفع والأخذ، ولو كانوا بالجزية حاقنين دماءهم كما بالإسلام، كانوا مخيرين بينهما، فلا يمكن أن يقال:
إن الجزية واجبة تحقيقا، ولكن يقال إن الجزية إضجار ومعاقبة ليرجع عن كفره؟
ويجاب عن هذا بأن يقال:
بأن الذي في الكافر من كفره، يقتضي إباحة دمه، لكن حرمة الكتاب تقتضي استبقاءه لما في استبقائه من توقع إسلامه، ولولا ذلك لكان القتل أولى به، وإذا كان كذلك فقد دفع الكافر إلى القتل، أو دفع الجزية، وفي دفعها إزالة القتل، فواجب عليه أن يفعل ذلك لإزالة الضرر العظيم.
فإن قيل: إن القتل امتنع ببذل الجزية لما في أخذ الجزية من توقع إسلامه، والمقصود ذلك، فيلزم على مساقه أن يكون ذلك محتوما، ويجب علينا أخذ الجزية منه، ويمتنع قتله.
والجواب: أن الكافر إذا لم يعرف حسن الإسلام، فقد دفعه الشرع إلى أحد أمرين.
إما القتل، وإما الجزية، وهو يعلم أن الجزية أهون عليه من القتل، وفي الجزية حقن الدم، فيحسن بقضية العقل والشرائع كلها دفع الجزية، تحقيقا لمقصود دفع شر القتل، ووجب بحكم شرعنا الجزية عليه، لما فيه