من حسن توقع إسلامه، ودفع قتل يعجله إلى النار، ففي ذلك مصلحة للكافر بحكم دينه الذي هو عليه عند جهله بحسن الإسلام، وبحكم ديننا الذي به عرفنا حسن الإسلام، وتوقعه منه ببذل الجزية، إلا أنه إذا امتنع فلا يمكن تقريره في ديارنا على كره منه، لما فيه من غائلة هربه وترصده لأذية المسلمين، فوجب قتله لدفع الضرر، أما إذا توطن وتأهل وطلب منا الذمة اندفعت غائلته، فحسن بذل الجزية لهذا المعنى.
ومعلوم أن من أكره على دفع ماله بالقتل، وجب عليه دفع ماله لدفع شر القتل عن نفسه. فعلى هذا يجب على الذمي بذل الجزية لدفع شر القتل عن نفسه، ويحسن من المسلمين أخذها منهم، لما يتوقع في ذلك من إسلامه، وقد قيل: يحسن أخذ الجزية في مقابلة مساكنتهم لنا وذبنا «١» عنهم.
فالكافر ليس يبذل على هذا القصد، ولكن يبذلها لدفع القتل، ووجه الوجوب عليه هذا.
فأما المسلم، فإنما يأخذها لحق المساكنة، ولأجل ذبنا عنهم، فقيل لهم: فإذا وجبت الجزية عليهم لهذا المعنى، فلا بد أن يكون الحقن مقصودا، وإنما يكون الحقن مقصودا، وتقرير هم في ديارنا مقصودا معنيا، إذا كان البقاء على الكفر مرادا، فإن من ضرورة تقرير الكافر في ديارنا والتزام الذب عنه، الرضا بفعله، وارادة الكفر منه، فلا بد أن تكون الجزية عقوبة وزجرا عن الكفر، حتى تكون إرادة الزاجر كراهة المزجور عنه.
فأما إذا كانت الجزية عرضا عن المساكنة أو عن الذب، كان الذب مقصودا، ووجوب تعظيمه وصيانته والذب عنه، يقتضي إرادة الكفر لا محالة.