وزعم قوم أن الآية لا تدل على المباشرة بالشهوة أيضا، بعد أن اتفق الناس على أن الجماع مراد به، لأن الكناية بها عن الجماع مجاز، وإذا حمل اللفظ على المجاز فلا يحمل بعينه هو على الحقيقة.
وهذا ليس بصحيح، فإن لفظ المباشرة عموم في الجماع، لا بطريق المجاز، بل من حيث أن الجماع مباشرة، إذ المباشرة هي الإفضاء ببشرته إلى بشرة صاحبه، فإذا كانت حقيقة المباشرة- لا من حيث المجاز- إلصاق البشرة بالبشرة فهي عامة في الجماع وغيرها، فدلالتها على الجماع من حيث الحقيقة لا من حيث المجاز..
قوله:(وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) يقتضي أن يكون الحظر مختصا بالمسجد، حتى لو جامع عند الخروج لا يبطل اعتكافه:
ويحتمل أن يقال: قوله: (وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) معناه: لا تباشروهن حال ما يقال لكم إنكم عاكفون في المساجد، والرجل وإن خرج من المسجد لقضاء الحاجة فهو عاكف، واعتكافه باق.
وأمكن أن يقال: لا يقال له عاكف في المسجد بل يقال: لم يبطل تتابع اعتكافه، فأما أن يكون عاكفا في المسجد لفظا وإطلاقا وهو خارج منه فلا.
ولما كان الرجل باعتبار قعوده في المسجد، لا يقال له عاكف، إذا كان يخرج ويرجع على ما جرت به العادة، وإنما يقال عاكف للمواظب، فيقتضي ذلك زوال اسم العاكف عنه، إذا كان يتردد في حاجاته، ويخرج لأشغاله، إلا ما لا بد له منه.