للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل إن الصحابة قد يختلفون على قولين، فينعقد الإجماع بعد ذلك فيعمل العلماء بهذا الإجماع.

وهذا مما يدل على أن الإجماع السكوتي ليس خاصًا بالصحابة.

ومن أمثلة ذلك: أن الصحابة اختلفوا في الذي جامع -أي أولج- بلا إنزال؟ هل يجب عليه الغسل أم لا؟

فيه قولان للصحابة (١)، لكن انعقد الإجماع بعد ذلك ونص عليه ابن المنذر (٢) وابن عبد البر (٣) وغيرهم من أهل العلم وسيأتي -إن شاء الله- ذكر أمثلة أخرى.

فالمقصود أن الإجماع السكوتي ليس خاصًا بالصحابة بل هو مطرد في أهل العلم، فإذا ذكر عالم مسألة واشتهر عنه فإنه حجة.

ويظهر لي - والله أعلم - أن تقييد الأمر بالاشتهار وعدم الاشتهار ليس عمليًا، فمجرد أن يذكر عالمٌ قولًا ولا يعرف عن غيره إنكار فهو حجة، وذلك لأمرين:

الأول: أنه لو كان منكراً فلا بد أن يوجد في الأمة من ينكره، ولا يمكن أن الله ينقل لنا القول المرجوح دون الراجح، فقد ذكر ابن القيم في كتابه «إعلام الموقعين» (٤) أن القول المرجوح خطأ من وجه، فلا ينقل مرجوح دون الراجح.


(١) انظرهما في: «الأوسط» لابن المنذر (٢/ ٧٦) وما بعدها، و «التمهيد» لابن عبد البر (٢٣/ ١٠٠) وما بعدها.
(٢) انظر: «الأوسط» (٢/ ٨١)، و «الإجماع» (٢٤) وكلاهما لابن المنذر.
(٣) انظر: «التمهيد» لابن عبد البر (٢٣/ ١٠٥).
لكنه قال: «على هذا القول جمهور أهل الفتوى بالحجاز والعراق والشام ومصر وإليه ذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والليث بن سعد والأوزاعي والثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد والطبري».
(٤) انظر: «إعلام الموقعين» لابن القيم (٥/ ٥٦٩) (٦/ ٣٧).

<<  <   >  >>