تركه، فهذا يدل أنه لا ينبغي أن يندفع مع كل من أراد أن يخرم إجماعًا، بل لابد أن يتأكد من خرمه، ويتأكد من صحة الأسانيد إلى من ينسب إليهم المخالفة.
* * *
الشبهة الثالثة عشرة
قال بعضهم الإجماع الذي لا يقطع به هو من الظن، وبعبارة أخرى: الإجماع الذي لا يقطع بعدم المخالف هو من الظن، فكيف يترك الدليل إلى الظن؟
وكشف هذه الشبهة من أوجه:
الوجه الأول: ينبغي أن يعلم أن الإجماع بنوعيه سواءً كان قطعياً أو ظنياً، أن قوته في كونه قاطعاً في دلالته كما تقدم بيانه.
فإذا تعارض في نظر المجتهد الإجماع الظني في ثبوته مع حديث أو آية فقد تعارض دليل قطعيٌ في دلالته -وهو الإجماع- مع نص قد يحتمل أكثر من وجه وقد يكون محتملًا فيظن أنه غير محتمل، لكن مما يقطع به أن دلالة الإجماع قطعية إذن إذا تعارض في الظاهر، فلا بد أن يراجع الناظر نفسه؛ لأن الإجماع لا يمكن أن يقدح فيه من جهة دلالته وإنما يقدح فيه من جهة ثبوته، والبحث الآن في الدلالة، والنص المخالف للإجماع في الظاهر قد يقال إنه محتمل لأكثر من معنى، فمن حيث الأصل يقدم الإجماع؛ لأن معنى أن العلماء أجمعوا على هذا: أي أن أفهام العلماء اجتمعت على أن هذا الحكم حرام أو أن هذا الحكم مستحب إلى آخره .. فلا يصح رده إلا أن يقال إنه مخروم.
أما من جهة الدلالة فهو قاطع كما تقدم، فعلى هذا إذا تعارض نصٌ مع إجماع - ولو كان الإجماع ظنياً في ثبوته فإنه يُقدم؛ لأن دلالته لا تكون إلا قطعية بخلاف النص.