للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - استدلوا بما أخرجه البخاري ومسلم، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ»، قَالَ: وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَخَفَّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ، «فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ» (١).

ووجه الدلالة: أنه لما كان جلد الشارب أربعين هو المعمول به على عهد أبي بكر وشيء من خلافة عمر فاعتُبِر هذا إجماعًا، ثم خالف عمر، وعلة ذلك عدم انقراض العصر.

وقد أجاب ابن القيم (٢) على هذا أنه من باب التعزير الذي يختلف بالنظر إلى المصالح باختلاف الزمان والمكان، فعمر رأى أن يشدد في شرب الخمر لانتشاره، فهذا من باب التعزير ولا علاقة له بصحة مخالفة الإجماع إذا لم ينقرض العصر.

إذا تبين هذا فلتعلم أنَّ القول باشتراط انقراض العصر ليس صحيحًا لما يلي:

أولا: أول من عُرِف عنهم هذا الشرط هم المتكلمون.

ثانياً: مخالفة هذا الشرط للدليل.

ثالثاً: ما اعتمدوا عليه لا دلالة فيه كما تقدم.

رابعًا -وأخيراً -: القول باشتراط انقراض العصر إذا دقق فيه فإنه غير منضبط كما أشار لهذا الروياني (٣) فيما نقله عنه الزركشي في «البحر المحيط» (٤)، فقد ذكر كلاماً مفاده أنه ليس منضبطاً ثم أراد أن يذكر له ضابطاً وفيه إشكال لأنه إن أرجع إلى زمن معين فإن المجتهدين قد يبقون بعد هذا الزمن فيوجد مجتهدون جدد.


(١) أخرجه البخاري (٦٧٧٣)، ومسلم (١٧٠٦/ ٣٥) - واللفظ له -.
(٢) انظر: «زاد المعاد» لابن القيم (٥/ ٤٤).
(٣) انظر: «بحر المذهب» للروياني (١١/ ١٣٠ - ١٣١).
(٤) انظر: «البحر المحيط» للزركشي (٦/ ٤٩٠ - ٤٩١).

<<  <   >  >>