فليس من شرط الدليل حتى يكون حجة في الشريعة أن يعلم ويعمل به، وأن يعلم به جميع المجتهدين، فكما يُتصور أنْ يخفى على كثير من المجتهدين الكثير من الأدلة والأحاديث النبوية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمثل ذلك يقال في دليل الإجماع الذي خفي على كثير من المجتهدين إلا أنه يقال: إن ظهور الإجماع ليس على مرتبة واحدة:
١ - فمن الإجماع ما هو ظاهر لأهل العلم كلهم كالإجماع القطعي الذي تقدم ذكره.
٢ - ومن الإجماع الظني ما يكون ظاهراً للعلماء.
٣ - ومنه ما يكون ظاهراً لأكثر أهل العلم.
٤ - ومنه ما قد يخفى على كثير من أهل العلم.
وهكذا؛ لكن إذا تبين للمجتهد أن في المسألة إجماعًا فهو حجة يتمسك به، كما إذا تبين له أن في المسألة حديثاً صحيحاً فإنه حجة يتمسك به ويكون معولًا له في ترجيح القول الذي يقول به.
ولا يلزم لصحة الدليل أن يعمل به جميع الأمة، ومثل هذا ما حصل فيه إجماع من لدن الصحابة -رضي الله عنهم- قد يكون أحياناً من الصحابة والتابعين فتبين لبعض المجتهدين فإنهم يعملون به ولا يدل هذا على أن الإجماع ليس حجة، كما يقال هذا في السنة النبوية إذا ظهرت لبعض المجتهدين دون أكثر المجتهدين فلا يقال إن هذا السنة ليست حجة من جهة وصف القول بأنه شاذ، فإن مثل هذا الإجماع الذي اشتهر مخالفته عند العلماء يصح دليلاً لكن لا يصح أن يقال فيمن خالفه إنه قد وقع في قول شاذ، وذلك اتباعاً لفهم أهل العلم، فإن أهل العلم لم يفهموا ذلك في مثل الإجماعات التي قد تخفى والتي اشتهر بين أهل العلم ذكر الخلاف في هذه المسألة، بل من ظهر له الإجماع يعمل به،