للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيقال: إنه لو سلم بعدم حجية الإجماع السكوتي فإن مثل هذا لا يقال في الإجماع السكوتي على حرمة الغناء المصحوب بالمعازف؛ لأنه مما تطاول الزمن على ذكر أهل العلم له، ولم يخالفوه فمثله حجة بالإجماع.

الأمر الثاني: مما يعلم يقيناً أن الشافعي لا يريد بذلك رد الإجماع السكوتي وذلك أن الإمام الشافعي نفسه أصَّل الإجماع وأنه حجة وقال: والإجماع حجة على كل شيء؛ لأنه لا يمكن فيه الخطأ (١). وهذا لا يوجد إلا في الإجماع السكوتي.

ويؤكد ذلك أن الشافعي نفسه احتج بالإجماع عمليا فقد ذهب إلى أن العبد والصبي إذا حجا فأعتق أو بلغ بعد ذلك فإن هذا لا يجزئه عن حجة الإسلام حكى على ذلك الإجماع في «الأم» (٢)، ومثل هذا غاية ما فيه الإجماع السكوتي والأمثلة على هذا كثيرة عن الشافعي وغيره.

إذن قول الشافعي قطعاً لا يحمل على إنكار الإجماع السكوتي؛ لأنه يقرر الإجماع.

تنبيه: ذكر العلائي (٣) ثم الزركشي (٤) أن من أصحاب الشافعي من حمل قوله: (لا ينسب إلى ساكت قول) على غير إجماع الصحابة لكن فيه نظر؛ لأن الشافعي حكى الإجماع في مسائل كثيرة وأصله ولم يبين أنه خاص بإجماع الصحابة.

ومن الشافعية من حمل هذا على الإجماع السكوتي الذي لم يتطاول الزمن على ذكره (٥)؛ لأن ما تطاول الزمن على ذكره فإنه حجة بالإجماع كما تقدم.


(١) انظر: «العلم» للشافعي ص ٢٢.
(٢) انظر: «الأم» للشافعي (٢/ ١٢٠).
(٣) انظر: «إجمال الإصابة» للعلائي (ص:٢٤).
(٤) انظر: «البحر المحيط» للزركشي (٦/ ٤٥٩).
(٥) انظر: «إجمال الإصابة» للعلائي (ص:٢٤)، و «البحر المحيط» للزركشي (٦/ ٤٥٩).

<<  <   >  >>