للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا شك إذا صح الحديث فهو حجة في ذاته ولا يحتاج للاحتجاج به إلى أن ينظر من عمل به كما تقدم، لكن هذا شيء وترك العمل به لعارض كأن يكون منسوخاً، أو مجمعًا على تركه - مثلاً - شيءٌ آخر، وبحثنا في الثاني لا في الأول.

وقد فهم هذا أهل العلم بل نسبه بعضهم إلى السلف، وممن فهم ذلك الإمام الترمذي وهو من أئمة السنة ومن أئمة السلف فإنه لما أنهى جامعه قال: «كل ما في هذا الجامع قد عمل العلماء به إلا أنه حديثين أجمع العلماء على عدم العمل بهما» (١).

فقد ارتضى الترمذي هذا التأصيل، وليس الترمذي من المتأخرين إنما هو من المتقدمين، ومع ذلك ارتضاه، وإن كان نوزع في ظنه أن العلماء مجمعون على ترك العمل بالحديثين، وبعضهم مصر على أن قول الترمذي صحيح ومن خالفه فمخالفته غير صحيحة.

والمقصود أن الترمذي يقر هذا التأصيل بعيدًا عن المثالين الذين ذكرهما.

ومن الكلمات العظيمة في هذا ما قاله ابن رجب في كتابه «بيان فضل علم السلف على الخلف»: «فأما الأئمة وفقهاء أهل الحديث فإنهم يتبعون الحديث الصحيح حيث كان إذا كان معمولًا به عند الصحابة ومن بعدهم أو عند طائفة منهم فأما ما اتفقوا على تركه فلا يجوز العمل به؛ لأنهم ما تركوه إلا عن علم أنه لا يعمل به قال عمر بن عبدالعزيز: خذوا من الرأي ما يوافق ما كان قبلكم فإنهم كانوا أعلم منكم ... » (٢)، إلخ كلامه رحمه الله تعالى.

فهذا صريح من ابن رجب وهو ينقله عن أهل العلم أن العلماء اذا تركوا العمل بالحديث فإنه لا يعمل بهذا الحديث وهو يعزوه الى السلف، وصنيع


(١) انظر: «سير أعلام النبلاء» (١٣/ ٢٧٤)، و «تذكرة الحفاظ» (٢/ ١٥٤) وكلاهما للذهبي، بلفظ قريب.
(٢) انظر: «بيان فضل علم السلف على الخلف» (ص:٥٠ - ٥١).

<<  <   >  >>