للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يجمع بين أختين في ملك يمين ولا نكاح، وأنه يقبل الهدية، ولا يقبل الصدقة، وإن جلساءه المساكين، وأن خاتم النبوة بين كتفيه. ثم دعا رجلًا عاقلًا، ثم لم يدع بمصر أحسن ولا أجمل من مارية وأختها؛ وهما من أهل حفن من كورة أنصنا. فبعث بهما معه إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأهدى له بغلة شهباء، وحمارًا أشهب، وثيابًا من قباطي مصر، وعسلًا من عسل بنها، وبعث إليه بمال صدقة، وأمر رسوله أن ينظر: مَنْ جلساؤه وينظر إلى ظهره، هل يرى شامة كبيرة ذات شعر؟ ففعل ذلك الرسول، فلما قدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم إليه الأختين والدابتين والعسل والثياب، وأعلمه أن ذلك كله هدية. فقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الهدية -وكان لا يردها من أحد من الناس- فلما نظر إلى مارية وأختها أعجبتاه، وكره أن يجمع بينهما، وكانت إحداهما تشبه الأخرى، فقال: اللهم اختر لنبيك، فاختار له الله مارية، وذلك أنه قال لهما: قولا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، فبادرت مارية، فتشهدت وآمنت قبل أختها، ومكثت بعدها أختها ساعة، ثم تشهدت وآمنت، فوهب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أختها لمحمد بن مسلمة الأنصاري. وكانت البغلة والحمار أحب دوابه إليه، وسمى البغلة دلدلًا، وسمى الحمار يعفورًا، وأعجبه العسل، فدعا لعسل بنها بالبركة، وبقيت تلك الثياب حتى كفن في بعضها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (١) .

قال ابن الحكم: ويقال إن المقوقس بعث مع مارية بخصي فكان يأوي إليها (٢) .

ثم أخرج عن عبد الله بن عمرو، قال: دخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أم إبراهيم أم ولده القبطية، فوجد عندها نسيبًا كان لها، قدم معها من مصر؛ وكان كثيرًا


(١) فتوح مصر ٤٨-٤٩.
(٢) فتوح مصر ٤٩.