للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

همة أحدنا من

الدنيا إلا فيما يمسك جوعته، ويستر عورته، وتكون همته وشغله في رضا ربه، وجهاد عدوه.

فلما سمع المقوقس ذلك منه، قال لمن حوله: هل سمعتم مثل كلام هذا الرجل قط! لقد هبت منظره؛ وإن قوله لأهيب عندي من منظره؛ إن هذا وأصحابه أخرجهم الله لخراب الأرض (١) ؛ وما أظن ملكهم إلا سيغلب على الأرض كلها.

ثم أقبل المقوقس على عبادة، فقال: أيها الرجل، قد سمعت مقالتك، وما ذكرت عنك وعن أصحابك؛ ولعمري ما بلغتم ما بلغتم إلا بما ذكرت، ولا ظهرتم على من ظهرتم عليه إلا لحبهم الدنيا ورغبتهم فيها، وقد توجه إلينا لقتالكم من جميع الروم مما لا يحصى عدده قوم معروفون بالنجدة والشدة، ممن لا يبالي أحدهم من لقي، ولا من قاتل، وإنا لنعلم أنكم لن تقووا عليهم، ولن تطيقوهم لضعفكم وقلّتكم، وقد أقمتم بين أظهرنا أشهرًا، وأنتم في ضيق وشدة من معاشكم وحالكم، ونحن نرق عليكم لضعفكم وقلتكم وقلة ما بأيديكم؛ ونحن تطيب أنفسنا أن نصالحكم على أن نفرض لكل رجل منكم دينارين دينارين؛ ولأميركم مائة دينار، ولخليفتكم ألف دينار، فتقبضونها وتنصرفون إلى بلادكم قبل أن يغشاكم ما لا قوة لكم به.

فقال عبادة بن الصامت رضى الله عنه: يا هذا؛ لا تغرن نفسك ولا أصحابك؛ أما ما تخوفنا به من جمع الروم وعددهم وكثرتهم، وأنا لا نقوى عليهم؛ فلعمري ما هذا بالذي تخوفنا به، ولا بالذي يكسرنا عما نحن فيه؛ إن كان ما قلتم حقًّا فذلك والله أرغب ما يكون في قتالهم، وأشد لحرصنا عليهم؛ لأن ذلك أعذر لنا عند ربنا إذا قدمنا عليه، وإن قتلنا من آخرنا كان أمكن لنا في رضوانه وجنته، وما من شيء


(١) ط: "البلاد".