للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقر لأعيننا، ولا أحب إلينا من ذلك؛ وأنَّا منكم حينئذ على إحدى الحسنيين؛ إما أن تعظم لنا بذلك غنيمة الدنيا إن ظفرنا بكم، أو غنيمة الآخرة إن ظفرتم بنا، وإنها لأحب الخصلتين إلينا بعد الاجتهاد منا؛ وإن الله تعالى قال لنا في كتابه: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (١) ، وما منا رجل إلا وهو يدعو ربه صباحًا ومساءً أن يرزقه الشهادة،

وألا يرده إلى بلده ولا إلى أهله وولده؛ وليس لأحد منا هم فيما خلَّفه، وقد استودع كل واحد منا ربّه أهله وولده؛ وإنما همنا ما أمامنا. وأما "قولك": إنا في ضيق وشدة من معاشنا وحالنا؛ فنحن في أوسع السعة لو كانت الدنيا كلها لنا، ما أردنا لأنفسنا منها أكثر مما نحن فيه، فانظر الذي تريد فبينه لنا، فليس بيننا وبينكم خصلة نقلبها منكم، ولا نجيبك إليها إلا خصلة من ثلاث، فاختر أيها شئت، ولا تُطمع نفسك في الباطل؛ بذلك أمرني الأمير، وبها أمره أمير المؤمنين؛ وهو عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل إلينا. أما إن أجبتم إلى الإسلام الذي هو الدين الذي لا يقبل الله غيره، وهو دين أنبيائه ورسله وملائكته، أمرنا الله أن نقاتل من خالفه ورغب عنه حتى يدخل فيه، فإن فعل كان له ما لنا وعليه ما علينا، وكان أخانا في دين الله؛ فإن قبلت ذلك أنت وأصحابك، فقد سعدتم في الدنيا والآخرة، ورجعنا عن قتالكم، ولا نستحل أذاكم، ولا التعرض لكم، وإن أبيتم إلا الجزية، فأدوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، نعاملكم على شيء نرضى به نحن وأنتم في كل عام أبدًا ما بقينا وبقيتم، ونقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم، ونقوم بذلك عنكم؛ إذ كنتم في ذمتنا، وكان لكم به عهد الله علينا، وإن أبيتم فليس بيننا وبينكم إلا المحاكمة بالسيف حتى نموت من


(١) سورة البقرة: ٢٤٩.