للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الماضين ونعم الخليفة، المجتمع فيه شروط الإمامة، المتضع لله وهو ابن بيت لا يزال الملك فيهم إلى

يوم القيامة، الذي يفضح السحاب نائله، والذي لا يعزه عادله (١) ولا يغيره (٢) عاذله، والذي ما ارتقى صهوة المنبر بحضرة سلطان زمانه، إلا قال ناصره وقام قائمه، ولا قعد على سرير الخلافة إلا وعرف أنه ما خاب مستكفيه ولا غاب حاكمه، نائب الله في أرضه، والقائم مقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخليفته وابن عمه، وتابع عمله الصالح ووارث علمه، سيدنا ومولانا عبد الله، ووليه أبو العباس الإمام الحاكم بأمر الله، أمير المؤمنين، أيد الله ببقائه الدين، وطوق سيفه رقاب الملحدين، وكبت تحت لوائه المعتدين، وكتب له النصر إلى يوم الدين، وكب (٣) بجهاده على الأذقان طوائف المفسدين، وأعاذ به الأرض ممن لا يدين بدين، وأعاد بعدله أيام آبائه الخلفاء الراشدين، والأئمة المهذبين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، ونصر أنصاره، وقدر اقتداره، وأسكن في القلوب سكينته ووقاره، ومكن له في الجود وجمع له أقطاره.

ولما انتقل إلى الله ذلك السيد ولقي أسلافه، ونقل إلى سرير الجنة عن سرير الخلافة، وخلا العصر من إمام يمسك ما بقي من نهاره، وخليفة يغالب مزيد الليل بأنواره، ووارث نبي بمثله ومثل آبائه استغنى "الوجود" (٤) بعد ابن عمه خاتم الأنبياء عن نبي يقتفى على آثاره، ومضى ولم يعهد فلم يبق إذ لم يوجد النص إلا الإجماع، وعليه كانت الخلافة بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلا نزاع، اقتضت المصلحة الجامعة عقد مجلس كل طرف منه معقود، وعقد بيعة عليها الله والملائكة شهود، وجمع الناس له وذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود؛ فحضر من لم يعبأ بعده بمن تخلف،


(١) لا يعزه: لا يغلبه. وعادله: مساويه.
(٢) تاريخ الخلفاء: "لا يغره".
(٣) تاريخ الخلفاء: "كبته".
(٤) من تاريخ الخلفاء.