كتب بعده القضاة الأربعة بالشهادة عليه، واستمر الخليفة في منصبه الشريف إلى أن مات بالطاعون شهيدا في منتصف سنة ثلاث وخمسين، ولم يعهد بالخلافة لأحد.
فجمع الأمراء شيخو ورفقته القضاة، وطلب جماعة من بني العباس، فوقع الاختيار على أخيه أبي بكر المستكفي (١) ، فبايعوه ولقب المعتضد بالله، وكُنِّي أبا الفتح، وضم إليه نظر المشهد النفيسي، فأقام إلى أن مات ليلة الأربعاء ثامن عشر جمادى الأولى سنة ثلاث وستين.
قال بدر الدين بن حبيب في ترجمته: أمير المؤمنين، وقائد المذعنين، وإمام الأئمة، وقدوة المتكلمين في براءة الذمة، علت أركانه، وبسقت أغصانه، وتجملت به ديار مصره، وصغت إلى رأيه ملوك عصره، راس وساد، ومنح وأفاد، ورفل في حلل النعيم، وهدي إلى سلوك الطريق المستقيم، واعتضد بالله في أموره، ولم يختف عن الناس بحجبه ولا ستوره، واستمر سائرًا في منهاج عزه وبقائه، إلى أن لحق بعد عشرة أعوام بالخلفاء الكرام من آبائه.
وعهد بالخلافة لولده أبي عبد الله محمد، فقام بعده ولقب المتوكل على الله؛ هذه صورة العهد:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي ميز أبناء الخلفاء برتب العدالة، وألبس من نشأ منهم على ستر العفاف خلعها المذالة، ورفع قدره على أقرانه حين سلك سبل الرشاد التي أوضحها له.
(١) في تاريخ الخلفاء ٥٠٠: "بويع بالخلافة بعد موت أخيه في سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة بعهد منه، وكان خيرًا متواضعا محبا لأهل العلم، مات في جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة".