المتوكل على الله أبي عبد الله محمد نصر الله به الإسلام وأيده، ونفع به نفعا مستمرًّا مؤبده وجعله ولي عهده، ورضيه خليفة على الرعية من بعده؛ لما علم من ديانته وعدالته وكفالته وكفايته ومروءته وحسن قصده، عهدا صحيحا شرعيًّا، تامًّا معتبرا مرضيا، وفوض إليه أمر الخلافة تفويضًا صريحا، وعقد له ولاية العهد على الرعية عقدًا صحيحًا وقبل ذلك قبولا شرعيًّا، جعله الله لشريعة نبيه محمد ناصرًا مؤيدًا، وجمع به كلمة الإسلام.
وصدر الإشهاد بذلك في اليوم المبارك يوم الثلاثاء الثالث عشر من ربيع الأول سنة ثلاث وستين وسبعمائة.
فاستمر إلى أن قتل الأشرف شعبان وأقيم ولد المنصور علي، وكان أينبك البدري مدبر دولته، وقد حقد على المتوكل أمورًا، فطلب نجم الدين زكريا بن إبراهيم بن ولي العهد المستمسك بن الخليفة يوم الاثنين رابع ربيع الأول سنة تسع وسبعين، فخلع عليه، واستقر خليفة بغير مبايعة ولا إجماع، ولقب المعتصم بالله. ثم في العشرين من الشهر كلم الأمراء أينبك فيما فعله مع المتوكل، ورغبوه في إعادته إلى الخلافة، فأعاده وخلع زكريا، فكانت خلافته خمسة عشر يوما. ثم لم يتم الشهر على أينبك حتى اتفق العساكر على خلافه والخروج عليه، فهرب ثم ظفر به في تاسع ربيع الآخر، فقيد وسجن بالإسكندرية، وكان آخر العهد به.
وقال فيه الأديب شهاب الدين بن العطار:
من بعد عز أذل أينبكا ... وانحط بعد السمو من فتكا (١)
وراح يبكي الدماء منفردًا ... والناس لا يعرفون أين بكى
واستمر المتوكل في الخلافة إلى رجب سنة خمس وثمانين. فبلغ الظاهر برقوقًا أنه