للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واطأ جماعة أن يقتلوه إذا لعب الأكرة، ويقوموا بنصرة الخليفة واستبداده بالأمر، وإن الخليفة ذكر أنه ما فوض إليه السلطنة إلا كرهًا، وأنه لم يسر في ملكه بالعدل. فاستدعى برقوق بالقضاة ليفتوه في الخليفة بشيء فامتنعوا، وقاموا عنه، فخلع هو الخليفة بقوته وسجنه بالقلعة. ثم طلب عمر بن إبراهيم بن المستمسك بن الحاكم، وبايعه بالخلافة ولقب الواثق بالله. ثم في ذي القعدة من السنة، أخرج المتوكل من السجن، وأقام بداره مكرمًا، واستمر الواثق في الخلافة إلى أن مات يوم الأربعاء تاسع عشري شوال سنة ثمان وثمانين.

فكلم الناس برقوقًا في إعادة المتوكل، فأبى وأحضر أخا عمر زكريا الذي كان أينبك ولاه تلك الأيام اليسيرة، فبايعه ولقب المعتصم بالله، فاستمر إلى يوم الخميس ثاني جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين. فندم برقوق على ما صنع بالمتوكل، فخلع زكريا وأعاد المتوكل إلى الخلافة، وحلف القضاة كلا من الخليفة والسلطان للآخر على الموالاة والمناصحة. وأقام زكريا بداره إلى أن مات مخلوعا في جمادى الأولى سنة إحدى وثمانمائة. وقرئ تقليد المتوكل بالمشهد النفيسي في ثامن عشر الشهر بحضرة القضاة والأمراء، وقرر له السلطان دارًا بالقلعة يسكنها، ويركب إلى داره بالمدينة متى شاء.

واستمر المتوكل في خلافته هذه إلى أن مات ليلة الثلاثاء ثامن عشري رجب سنة ثمان وثمانمائة.

قال المقريزي: وهو أول من أثرى من خلفاء مصر، وكثر ماله، ورزق أولادا كثيرة، يقال: إنه جاء له مائة ولد، ما بين مولود وسقط، ومات عن عدة أولاد

ذكور وإناث، ولي الخلافة منهم خمسة، ولا نظير لذلك؛ وأكثر إخوته ولوا الخلافة فيما تقدم، أربعة. واتفق للمتوكل هذا أنه عاد إلى الخلافة بعد خلعه مرتين، ولم يقع ذلك لأحد فيما تقدم إلا للمقتدر فقط.