للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورأيت في تاريخ عالم حلب المحب أبي الوليد بن الشحنة أنه في سنة سبع وتسعين وسبعمائة، أرسل أبو يزيد بن عثمان إلى الخليفة المتوكل بهدايا، وتحف في طلب تشريف منه بأن يكون سلطان الروم؛ فجهز له ذلك.

وذكر الحافظ ابن حجر في أبناء الغمر، أن مولد المتوكل هذا في سنة نيف وأربعين وسبعمائة، وأنه لما تسلطن برقوق المرة الأولى حسن له جماعة من أهل الدولة وغيرهم طلب الملك؛ فكاتب الأمراء والعربان مصرا وشاما وعراقا، وبث الدعاة في الآفاق. فبلغ ذلك برقوقًا، فخلعه وسجنه، فخرج يلبغا الناصري على برقوق بسبب ذلك، فأفرج عنه برقوق، وأعاده إلى الخلافة، وفرح الناس به فرحًا كثيرا. فلما انتصر الناصري، وزالت دولة برقوق قال الناصري للخليفة بمحضر من الأمراء: يا مولانا أمير المؤمنين، ما ضربت بسيفي هذا إلَّا في نصرتك؛ وبالغ في تعظيمه وتبجيله، فتبرم المتوكل من الدخول في الملك، وأشار بإعادة حاجي بن شعبان.

وكان المتوكل عهد الخلافة لولده أحمد، ولقبه المعتمد على الله، ثم خلعه وعهد إلى ابنه أبي الفضل العباسي؛ فاستقر في الخلافة بعده، ولقب المستعين بالله، فأقام إلى أن خرج شيخ علي ناصر فرج، وذلك في المحرم سنة خمس عشرة وثمانمائة، فأشهد على الخليفة بخلع الناصر من الملك، لما ثبت عليه من الكفريات والانحلال والزندقة، وحكم ناصر الدين بن العديم بسفك دمه.

واتفق رأي الأمراء على سلطنة الخليفة واستقلاله بالأمر، فلم يوافقهم الخليفة إلا بعد شدة وتوثق منهم بالإيمان، فبايعه الأمراء كلهم، وحلفوا له على الوفاء، ولم يغير لقبه، وجلس على كرسي الملك، وقام الكل بين يديه؛ وذلك بالشام، وقرر بكتمر جلق في نيابة الشام وقرقماس في نيابة حلب، وسودون الجلب في نيابة طرابلس، وشيخ ونوروز في ركابه، يدبران الأمر، ونادى منادي الخليفة: ألا إن فرج بن برقوق