قد خلع من السلطنة، ومن حضر إلى أمير المؤمنين وابن عم سيد
المرسلين فهو آمن. فتسلل الناس من الناصر. وكتب المستعين إلى القاهرة باجتماع الكلمة له. وعزل الجلال البلقيني عن قضاة الشافعية، وولى بدله شهاب الدين الباعوني، فحقدها عليه البلقيني، حتى فعل معه بعد ذلك ما فعل.
ثم أرسل المستعين كتابًا ثانيًا إلى من بالقاهرة من الأعيان، فأرسل إلى الجامع الطولوني، فقرأه خطيبه ابن النقاش على المنبر، ثم أرسل إلى الجامع الأزهر، فقرأه خطيبه الحافظ ابن حجر على المنبر، ثم فر الناصر إلى حلب، فقام ناس على الأسواق، فنادوا: نصر الله أمير المؤمنين، فلما سمع الرماة ذلك تخوفوا على أنفسهم ولم يغيثوه، ثم قبض على الناصر وقتل بحكم ابن العديم.
ثم إن المستعين صرف بكتمر جلق عن نيابة الشام وقرر فيها نوروز، وقرر بكتمر أميرا كبيرا بالقاهرة، وصدرت الكتب من المستعين إلى أمراء التركمان والعربان والعشير. ومفتتحها: من عبد الله ووليه الإمام المستعين بالله أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين، وابن عم سيد المرسلين المفترضة طاعته على الخلق أجمعين، أعز الله ببقائه الدين، إلى فلان. ثم توجه هو والعسكر إلى القاهرة، فدخلوا في يوم الثلاثاء ثاني ربيع الآخر بعد أن تلقاهم الناس إلى قطيا وإلى الصالحية وإلى بلبيس، وحصل للناس من الفرح بذلك ما لا مزيد عليه، ونادى في الناس برفع المظالم والمكوس.
وعمل الحافظ أبو الفضل بن حجر في المستعين قصيدته المشهورة، وهي:
الملك أصبح ثابت الأساس ... بالمستعين العادل العباسي (١)
رجعت مكانة آل عم المصطفى ... لمحلها من بعد طول تناس
(١) نقلها السيوطي في تاريخ الخلفاء ٥٠٦-٥٠٨، وفيه: "الملك فينا ثابت الأساس".