للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على المولى المحسن، ملك الأمراء بدر الدين. أدام الله الكريم له الخيرات، وتولاه بالحسنات، وبلغه من أقصى الآخرة، والأولى كل آماله، وبارك له في جميع أحواله؛ آمين وينهي إلى العلوم الشريفة، أن أهل الشام في هذه السنة في ضيق عيش وضعف حال، بسبب قلة الأمطار وغلاء الأسعار، وقلة الغلات والنبات، وهلاك المواشي وغير ذلك؛ وأنتم تعلمون أنه تجب الشفقة على الرعية ونصيحته في مصلحته ومصلحتهم؛ فإن الدين النصيحة. وقد كتب خدمة الشرع الناصحون للسلطان المحبوبون له كتابا يذكره النظر في أحوال رعيته، والرفق بهم؛ وليس فيه ضرر، بل هو نصيحة محضة، وشفقة وذكرى لأولي الألباب، والمسئول من الأمير أيده الله تعالى تقديمه إلى السلطان، أدام الله له الخيرات. ويتكلم عنده من الإشارة بالرفق بالرعية بما يجده مدخرًا له عند الله تعالى {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} (١) .

وهذا الكتاب أرسله العلماء أمانة، ونصيحة للسلطان أعز الله أنصاره، فيجب عليكم إيصاله للسلطان (٢) أعز الله أنصاره، وأنتم مسئولون عن هذه الأمانة، ولا عذر لكم في التأخر عنها، ولا حجة لكم في التقصير عنها عند الله تعالى وتسألون عنها يوم القيامة {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ} (٣) ، {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} (٤) .

وأنتم بحمد الله تحبون وتحرصون عليه، وتسارعون إليه، وهذا من أهم الخيرات وأفضل الطاعات، وقد أهلتم له، وساقه الله إليكم، وهو فضل من الله ونحن خائفون أن يزداد الأمر شدة، إن لم يحصل النظر في الرفق بهم، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا


(١) سورة آل عمران: ٣٠.
(٢) ح، ط: "إلى السلطان".
(٣) الشعراء: ٨٨.
(٤) عبس: ٣٤-٣٧.