للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بتجديد العهد من الخليفة وتخليف الأمراء ففعل ذلك، وكتب له عهد من الخليفة، صورته:

إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله وخليفة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبي الربيع سليمان العباسي لأمراء المسلمين وجيوشها، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (١) . وإني رضيت لكم بعبد الله تعالى الملك المظفر ركن الدين بيبرس نائبا عني لملك الديار المصرية والبلاد الشامية، وأقمته مقام نفسي لدينه وكفايته وأهليته، ورضيته للمؤمنين، وعزلت من كان قبله، بعد علمي بنزوله عن الملك، ورأيت ذلك متعينًا عليّ، وحكمت بذلك الحكام الأربع. واعلموا رحمكم الله أن الملك عقيم ليس بالوراثة لأحد خالف عن سالف، ولا كابر عن كابر، وقد استخرت الله تعالى ووليت عليكم الملك المظفر، فمن أطاعه فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى أبا القاسم ابن عمي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وبلغني أن الملك الناصر ابن السلطان الملك المنصور شق العصا على المسلمين، وفرق كلمتهم، وأطمع عدوهم فيهم، وعرض البلاد الشامية والمصرية إلى سبي الحريم والأولاد، وسك الدماء، فتلك دماء قد صانها الله تعالى من ذلك، وأنا خارج إليه ومحاربه إن استمر على ذلك، وأدافع عن

حريم المسلمين وأنفسهم، وأولادهم بهؤلاء الأمراء والجيش العظيم، وأقاتله حتى يفيء إلى أمر الله. وقد أوجبت عليكم يا معاشر المسلمين كافة الخروج تحت لوائي، اللواء الشريف، فقد أجمعت الحكام على وجوب دفعه وقتاله عن استمر على ذلك، وأنا أستصحب معي الملك المظفر، فجهزوا أرواحكم. والسلام.

وقرئ هذا العهد على منابر الجوامع بالقاهرة، وأما الناصر فإنه سار من الكرك بمن معه في أول شعبان سنة ثمان وسبعمائة، فأتى دمشق فانتظم أمره، ثم توجه إلى مصر، فلما بلغ ذلك المظفر بيبرس، أخذ جميع ما في الخزائن من الأموال، وتوجه إلى جهة أسوان،


(١) النساء: ٥٩.