ثم حكى عبارة أبي عبيد، وفي آخرها:«قال أبو عبيد: فذاكرتُ الأصمعي، فقال: القول عندي ما قال ابن أبي ليلى، وعليه كلام العرب. ولو كان المعنى على ما قال أبو حنيفة لكان: لا تعقل العاقلة عن عبد».
ثم قال الأستاذ: « ... ولا منافاة بين هذا وبين أن يأتي في لسان العرب (عقل عنه) بمعنى: وَدَى. بل (عقله) في هذا الباب بمعنى: عقل عنه، على الحذف والإيصال؛ لأن أصل الكلام: عقل فلان قوائم الجمال ليدفعها ديةً عن فلان، فاستغنى عن المفعول الصريح، وأوصل إلى المدفوع عنه بحذف (عن)، وهذا من أسرار العربية. والقصد من الآثار المروية عن عمر وابن عباس وإبراهيم النخعي والشعبي واحد ... ».
أقول: عاقلة الإنسان: عَصَبته، على تفصيل معروف في كتب العلم. فإذا قتل حرٌّ حرًّا خطأ [٢/ ٩١] محضًا أو شبهَ عمد، وثبتَ القتل ببينة، فالدية على عاقلة القاتل. ومن الحكمة في ذلك أن أولياء المقتول يطلبون بثأره، ومن شأن عصبة القاتل أن تقوم دونه، وهم مُحِقُّون في ذلك، فيقال لهم: من شأنكم أن تقوموا دونه، فاغْرَموا ما لزم بفعله. وإن كان القتل عمدًا أو لم يثبت إلا باعتراف القاتل لم يلزم العاقلةَ شيء؛ لأنهم قد يقولون في العمد: لو طُلِب دمُه لم نقم دونه، ولا يحِلُّ لنا ذلك، وهو أوقع نفسه باختياره. ويقولون في الاعتراف: هو جرَّ البلاء باختياره. وهكذا إذا لم يلزمه (١) شيء إلا بمصالحته، لأن ذلك كاعترافه.
وبقيت مسألتان:
الأولى: أن يقتل عبد حرًّا، فليس في هذا شيء على عاقلة العبد ولا على